النصر ومستحفاته

النصر… ومستحقّاته شرعًا وقانونًا وسياسيًا واجتماعيًا» ✨️فلسفة سقوط نظام الأسد وواجبات ما بعد الانتصار : أولًا - مدخل فلسفي – معنى النصر في وعي الإنسان والمجتمعات : النصر ليس مجرد لحظة في التاريخ، بل هو تحوّل في الوعي. وهو كما يقول ابن خلدون: «الملك لا يقوم إلا بالعصبية، والعصبية لا تقوم إلا بالمعنى الجامع». وهذا المعنى الجامع هو الذي يصنع النصر ويحفظه. والنصر في القرآن ليس حدثًا عسكريًا فقط، بل هو مفهوم وجودي : ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ يوكّد أن النصر مرتبط بالحق، بالمبادئ، بالعدل، وبقيام الإنسان بوظيفته الأخلاقية في الأرض. أما في الفلسفة الحديثة، فالنصر هو «تحقيق الإرادة الحرة في الواقع»، كما يرى هيغل. وفي علم الاجتماع السياسي، يراه دوركايم «إعادة إنتاج قيم المجتمع في صورة انتصار جماعي». إذًا فالنصر ليس سقوط نظام فقط… بل سقوط منظومة ظلم، وصعود منظومة قيم. ثانيًا - سقوط نظام الأسد – قيمته السياسية : إن سقوط نظام الأسد – سواء كان تحقّقًا كاملًا أو عملية جارية – يحمل قيمة سياسية عميقة : 1 - تحرير السياسة من احتكار القوة لأكثر من نصف قرن كانت السلطة محصورة في عائلة، تُدير الدولة كما تُدار الوراثة، في غياب دولة القانون. سقوط النظام يعني عودة السياسة إلى الناس. 2 - استعادة السيادة من الدولة الأمنية : الاستبداد يصنع دولة تتجسس على الناس بدلًا من أن تخدمهم. السقوط هو تحرير الإنسان من الخوف، وكما قال سبينوزا : «غاية الدولة الحقيقية هي الحرية». 3 - إعادة بناء الشرعية : شرعية القوة تسقط، وتبدأ شرعية العقد الاجتماعي الجديد الذي يؤسّس لدولة دستور، ومؤسسات، وحكم رشيد. ثالثًا - قيمته الاجتماعية والإنسانية : 1 - استعادة إنسانية المجتمع : النظام الاستبدادي قد حطّم أبسط قيم الحياة : [ الكرامة - الحرية - العدالة - الأمان ] وسقوطه يعيد ، والفرقة، والكراهية. وما بعد السقوط فرصة لبناء هوية وطنية جامعة تتجاوز جراح الماضي. 3 - جبر الضرر والعدالة الانتقالية : لا يكفي سقوط النظام… بل يجب أن يتحقق الحق للضحايا : • كشف مصير المفقودين • رد الممتلكات • إعادة الاعتبار • محاسبة المجرمين وفق القانون • مصالحة اجتماعية حقيقية لا قائمة على التجاهل بل على الحقيقة وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «العدل أساس به قوام العالم» رابعا - قيمته الاقتصادية : النصر ليس هدمًا… النصر بناء. وبعد سقوط النظام تبدأ أهم مرحلة : وضع الأساس الاقتصادي لسوريا الجديدة. 1 - الانتقال من اقتصاد الفساد إلى اقتصاد الإنتاج : كان الاقتصاد مبنيًا على : • اقتصاد الحرب • الاحتكار • تحالف المال الأمني • تجريف الطبقة الوسطى • تهريب الثروة الوطنية والانتصار يفتح الطريق لاقتصاد : • قائم على الشفافية • تشجيع الاستثمار • توفير فرص العمل • إعادة بناء البنى التحتية • إعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي 2 - الاستثمار في الإنسان : الاقتصادي أمارتيا سن يقول : «التنمية هي توسيع خيارات الإنسان». والنصر الحقيقي هو بناء المدارس، الجامعات، المؤسسات، فرص العمل… لا يمكن أن يقوم وطن دُمّرت فيه العقول. خامسا - قيمتة في مجال حقوق الانسان : إن سقوط نظام قام على التعذيب والقتل والمجازر يعني انتصارًا لأهم مبدأ إنساني : «ولقد كرّمنا بني آدم» إن هذا التكريم لا يكتمل إلا بدولة : • تحترم حرية التعبير • تحمي حرية المعتقد • تمنع الاعتقال التعسفي • تمنع التعذيب • تضمن حق المحاكمة العادلة • تكفل حقوق المرأة والطفل • تحمي الفئات الضعيفة إن انتصار الشعب السوري هو انتصار لحقوق الإنسان عالميًا… لأن سقوط نظام الأسد يسقط معه مفهوم «الإفلات من العقاب» الذي شوّه وجه القرن الحادي والعشرين. سادسًا - ماذا يجب علينا أن نفعل لحفظ النصر ...؟ 1 - على المستوى السياسي : ١ - وحدة القوى الوطنية وعدم تكرار أخطاء الانقسام. ٢ - بناء دستور حديث يضمن : [ فصل السلطات - استقلال القضاء – حقوق الإنسان – تداول السلطة] ٣ - ثبات القرار السيادي وعدم الارتهان للخارج. ٤ - بناء مؤسسات فعلية لا سلطات شخصية. 2 - على المستوى الاجتماعي : ١ - ترميم النسيج الاجتماعي بالحوار والمصارحة والمصالحة الواقعية. ٢ - برامج العدالة الانتقالية الشفافة. ٣ - حماية الرموز الوطنية الجامعة لا الرموز الفئوية. ٤ - الاهتمام بالشباب بوصفهم طاقة النصر واستمراره. 3 - على المستوى الاقتصادي : ١ - خطة خمسية لإعادة البناء. ٢ - مكافحة الفساد جذريًا. ٣ - تشجيع عودة الكفاءات السورية المهاجرة. ٤ - فتح الاقتصاد على العالم بشروط السيادة الوطنية. 4 - على المستوى الدولي : ١ - بناء تحالفات استراتيجية لا تبعية. ٢ - استعادة مقعد سوريا الدولي عبر الشرعية الجديدة. ٣ - تقديم رؤية سورية لحل النزاعات في المنطقة. ٤ - تمثيل سوريا الجديدة كدولة : • قانون • عدل • حرية • حقوق إنسان سابعًا - فلسفة النصر – خلاصة جامعة : النصر ليس حدثًا عسكريًا، بل تحوّل حضاري. ليس نهاية معركة، بل بداية أمة جديدة. ليس سقوط طاغية، بل صعود شعب إلى مستوى دوره التاريخي. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "نحن قوم أعزّنا الله بالعدل والحق، فإن ابتغينا العز بغيرهما أذلّنا الله" وقال الفيلسوف تولستوي : «القوة الحقيقية هي قوة الحق الذي يظل قائمًا بعد أن تنتهي المعارك». وسوريا ما بعد الأسد ليست مجرد دولة… إنها قضية إنسانية عالمية تثبت أن الإنسان أقوى من القيد، وأن الحرية أقوى من السجن، وأن الشعوب أقوى من الطغاة. ثامنًا - واجبات الدولة الجديدة تجاه شعبها – فلسفة النهوض الشامل : قيام دولة جديدة بعد انهيار الاستبداد ليس انتقالًا في السلطة فقط؛ بل هو تحوّل في المسؤولية الأخلاقية. فالدولة التي خرجت من رحم الثورة مطالبة بأن تمارس دورها بوصفها “أداة تحرير وتنمية”، لا “أداة قهر وسيطرة”. 1 - بناء دولة القانون والمؤسسات : الدولة الجديدة مطالبة بأن تبدأ من الأساس الصلب : • دستور حقيقي لا صوري • فصل واضح للسلطات • استقلال القضاء استقلالًا كاملًا • شرعية تُستمد من الشعب عبر الانتخابات الحرة قال مونتسكيو: «لا حرية بلا فصل السلطات». كما أن القرآن يربط الحكم بالرشد: ﴿وَأْمُرْهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ 2 - صون كرامة المواطن : الاستبداد حطّم فكرة الإنسان. على الدولة الجديدة أن تُعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة عبر : • منع التعذيب كليًا • منع الاعتقال دون حكم قضائي • حماية الحق في التعبير والإعلام الحر • الضمان الاجتماعي للفئات الهشة فقد قال رسول الله ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». 3 - إعادة بناء الإنسان قبل البنيان : إنسان سوريا عانى الحرب والقهر والتهجير. أما الدولة الجديدة فمهمتها : • برامج شفاء مجتمعي ونفسي • دعم التعليم عالي الجودة • إعادة بناء المدارس والجامعات • تدريب الشباب وإعادة دمجهم في سوق العمل • محاربة الأمية والفقر قال الاقتصادي مالك بن نبي: «العالم الثالث ليس فيه نقص في الموارد، بل في الإنسان». 4 - العدالة الانتقالية بكل أركانها : الدولة الجديدة لا تستقر إلا بعد تحقيق: • كشف الحقيقة • محاسبة مرتكبي الجرائم • جبر الضرر للضحايا • إعادة الممتلكات • منع تكرار الانتهاكات عبر إصلاح الأمن والجيش والقضاء فالعدل هو أساس الملك، كما قال ابن خلدون. 5 - مشروع اقتصادي وطني : الدولة الجديدة لا يكفيها رفع الراية… بل يجب أن تبني اقتصادًا عصريًا : • تشجيع الاستثمار والإنتاج • إصلاح قطاع الزراعة والصناعة • إعادة إعمار البنية التحتية • محاربة الفساد المؤسسي • دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة • دعم التكنولوجيا والطاقة المتجددة economist بيتر دراكر يقول «المؤسسة التي لا تبتكر تموت». تاسعًا - واجبات الشعب تجاه الدولة الجديدة : النصر لا يمكن أن يحفظه طرف واحد. فالشعب شريك في المشروع الوطني، ومسؤولية نهضة سوريا الجديدة لا تقع على الحكومة وحدها، بل على المجتمع بأسره. 1 - احترام القانون والمؤسسات : الشعب المنتصر يجب أن يعيد بناء ثقافة الالتزام : • احترام القضاء • احترام رجال الشرطة والحكم المحلي • عدم أخذ الحق باليد • احترام الدستور فالحياة المدنية ليست خيارًا… بل شرط لنجاح أي دولة. 2 - الوحدة الوطنية رغم الاختلاف سوريا الجديدة ستكون فسيفساء: عرب، كرد، تركمان، آشوريون، مسلمون، مسيحيون، سنة، علويون… والواجب الأخلاقي أن يتعايشوا جميعًا بروح الوطن. قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ المطلوب من الشعب : • احترام التنوع • رفض التحريض الطائفي أو القومي • دعم الهوية الوطنية الجامعة • الحوار بدل التخوين ● والخطاب دائما يكون للاكثرية وكانه مطلوب منها هي فقط الحفاظ على الوحدة الوطنية حتى محرم عليها ان تصرخ من الالم وكأن الاقليات رفع عنها القلم تفعل ماتشاء بلا رقيب او حسيب 3 - المشاركة في البناء : المواطن مسؤول في : • التطوع • العمل المدني • دعم المشاريع الاجتماعية • رعاية البيئة • دفع الضرائب بوعي • الحفاظ على المال العام 4 - الرقابة الشعبية : دولة بلا رقابة تتحول إلى استبداد جديد لذلك : • الإعلام الحر • المجتمع المدني • النقابات والاتحادات المهنية • الانتخابات المحلية كلها أدوات لحماية الدولة من الانحراف. 5 - مكافحة الفساد من المجتمع نفسه : الفساد لا تنتجه السلطة وحدها… بل يُنتجه المجتمع عندما يقبل الرشوة أو يسكت عنها. والمسؤولية هنا أخلاقية قبل أن تكون قانونية. قال الفيلسوف كانط : «لا يمكن للمجتمع الفاسد أن ينتج دولة عادلة». عاشرًا - الأسس الحقيقية التي تعيد سوريا إلى موقعها الحضاري سوريا عبر التاريخ لم تكن مجرد مساحة جغرافية، بل كانت عاصمة حضارية ربطت الشرق بالغرب، واحتضنت الفلاسفة والعلماء والشعراء. لكي تعود إلى موقعها الحضاري، يجب أن تقوم على الأسس التالية : 1 - حرية الإنسان : الحرية هي الشرط الأول لنهضة الحضارات. لا حضارة بلا رأي ولا فكر ولا اختلاف. 2 - دولة القانون والعدل : قال ابن تيمية : «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة». 3 - اقتصاد قوي منتج : اقتصاد سوري حديث يعتمد على : • الصناعة • التكنولوجيا • الزراعة الذكية • الطاقة • التجارة العابرة 4 - تعليم عصري : الجامعات والمدارس هي مصانع الحضارة. نهضة اليابان وألمانيا وكوريا قامت على التعليم أولًا. 5 - استقلال القرار الوطني : دولة بلا سيادة لا تصنع حضارة. لا بد من علاقات دولية متوازنة لا تقوم على التبعية. 6 - التسامح الديني والهوية الجامعة : الدولة التي تتسع للجميع هي الأكثر قدرة على الإنتاج والإبداع. وآيات القرآن كلها تدعو إلى الرحمة والعدل والبر والقسط. ✨️️ ﴿ لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[ سورة الممتحنة: 8 ✨️️﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾[ سورة النساء: 58] ✨️﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[ سورة الأنبياء: 107] ✨️﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[ سورة المائدة: 8] 7 - بناء الإنسان القادر الفعال : • عقليًا • علميًا • نفسيًا • أخلاقيًا • اجتماعيًا لانه هو الأساس لكل نهضة. 8. رؤية وطنية جامعة : سوريا الجديدة تحتاج إلى «مشروع وطني» مكتوب، يحدد: • غايات الدولة • أولويات التنمية • استراتيجية الأمن الوطني • مكانة سوريا الإقليمية والدولية الباحث عبد الرحمن محمود حساني عبدالرحمن حساني مع تحيات كلية العلوم السياسية Generations and Technology University #جامعة #أجيال_وتكنولوجيا الأمريك https://gtuedu.org/