بقلم فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الله الخليل التميمي
#أسطورة_السلفية :: بسم الله الرحمن الرحيم ليست كثيرة جدا أساطير الفرقة المسماة “سلفية” إلا أن أتباع هذه الفرقة قد بنوا كل فكرهم تقريبا على هذه الأساطير القليلة و تحديدا على شرها و أكثرها إيهاما و إضلالا و كذبا و هي دعواهم تقسيم “التوحيد” إلى قسمين الأول أسموه “توحيد ربوبية” و الثاني أسموه “توحيد ألوهية” (و قد بينا هذه الأسطورة و رددنا عليها) و ثانيها هو تصنيفهم لعقيدة المسلمين إلى تصنيفين الأول أسموه “عقيدة السلف” و الثاني “عقيدة الخلف” و هذه الأسطورة الثانية هي موضوعنا هذا البحث :زعم “ابن تيمية” رحمه الله و من بعده أتباع فرقة “السلفية” أنهم قد أحيوا عقيدة “السلف الصالح” بعد أن اندثرت بفعل انتشار “الفلسفة” و تصنيف علماء المسلمين كتبا عن العقيدة باعتماد الأسلوب الفلسفي ، و راح “ابن تيمية” و تلميذه “ابن القيم” يكتبان ملخصات في “العقيدة” اعتمادا على تفسيراتهما الخاصة للقرآن و السنة ضمن أصول عجيبة للتفسير ابتدعاها خلافا للأصول التي اعتمدها علماء الإسلام على مر الدهر قبلهما و أطلقا على على هذه التصانيف إسم “عقيدة السلف” !.و حين تسأل أحدا من أتباع “ابن تيمية” عن سبب هذا التقسيم و ما هو الحد الفاصل بين السلف و الخلف فإنه يروي لك الحديث الشريف : {خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ} (حديث صحيح) فأهل القرون الثلاثة الأولى هم “السلف الصالح” بشهادة النبي صلى الله عليه و سلم و إن جميع مصنفات “العقيدة” التي صنفها المسلمون إنما ظهرت في القرون التالية لهذه القرون و هي جميعا تخالف عقيدة “القرون الثلاثة” الأولى التي أحييناها نحن !.و هنا تكمن الأسطورة التافهة التي يتمسك بها هؤلاء ، فالمستمع لهذه المقولة يفهم منها أن كافة علماء و عامة المسلمين من الذين ولدوا في أواخر القرن الثالث الهجري كانوا ينتظرون غياب شمس آخر يوم من ذي الحجة في عام 299 للهجرة حتى يقلعوا عن الصدق و يتخلوا عن الأمانة و عن الوفاء لله بنذورهم و أيضا حتى يتخلوا عن العقيدة (السلفية) التي ورثوها من رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه إلى عقيدة (خلَفية) اخترعوها بناء على الأسس “الفلسفية” إلى درجة أن أحدا من الناس لم يصنف في العقيدة “الصحيحة” شيئا مدة أربعة قرون كاملة حتى جاء “ابن تيمية” فاكتشف هذه العقيدة (المندثرة) و استخرجها من “القرآن و السنة” ثم نشرها للناس بعدئذ عميت عليهم و فني ذكرها كل الفناء !! و حتى إن قبلنا بهذا الفهم العجيب – للحديث الشريف الآنف – أفليس هؤلاء المخضرمون من مواليد القرن الثالث ثم أدركوا القرن الرابع من الداخلين تحت “السلف الصالح” بدورهم و من أهل القرون الثلاثة الأولى ؟؟!!.هكذا فهم “ابن تيمية” و اتباعه هذا الحديث الشريف و على أساس هذا الفهم العجيب قسّموا العقيدة إلى قسمين هما “عقيدة السلف” المزعومة و “عقيدة الخلف” المعلومة ، و العارف بالنظام العلمي الذي اتبعه المسلمون لحفظ دينهم بنصوصه و تفسيراته يعرف جيدا أن هذه الدعوى مجرد خرافة غبية جدا لا تمت للعقل و لا للواقع بصلة ، فالإسلام وصل من جيل إلى جيل بطريقين متلاصقين لا تمشي فيهما خطوة إلا بأن تضع قدما في الطريق الأولى و القدم الأخرى في الطريق الثانية ، و هذان الطريقان هما : الأول هو “التلقي” مباشرة من رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو تلقي الصحابي ثم تلقى التابعي العلم من الصحابي ثم تلقى تابعي التابعين من التابعي و هكذا من عالم إلى طالب إلى آخر الدهر ، و الطريق الثاني هو “التدوين” و هو يرافق “التلقي” فيدون الطالب التابعي ما سمعه من أساتذته الصحابة و يلقن ما دونه لتلاميذه ثم يقوم تلامذته بدورهم بتدوين مدونة أستاذهم التابعي بإشرافه و يراجعونه في كل حرف مما دونوا و صنفوا فإن أذن لهم ثبتّوا و إن أمرهم بالتعديل عدّلوا ثم يلقنون بدورهم ما أجازهم به أستاذهم من مدوناتهم لتلامذتهم ثم يجمع بعض نوابغ تلامذتهم مدوناتهم (المُجاز بها) في مصنف كبير و ذلك بإشراف أساتذتهم ثم يلقنون هذه المصنفات لتلامذتهم ، و يكتب الوراقون هذه المصنفات ليقتنيها هؤلاء التلامذة و تلامذتهم و هكذا إلى يومنا هذا ، و كل مصنف تقريبا من كتب التفسير و الحديث و النحو و غيرها من فنون البحث العلمي الشرعي يوجد من يقرؤها بالسند المتصل إلى المصنف الأول ثم بالإجازة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا يجوز لأحد أن يلقن مصنفا من المصنفات الأصولية إلا أن يكون قد قرأه على أستاذ يُقرؤه بالسند المتصل إلى مصنفه .فبالله عليكم هل يوجد عاقل يعتقد بعد هذا أن الحديث الشريف الآنف يشير إلى وجود نهر عريض أو جدار عال أو سلسلة جبال شاهقة تفصل علماء الإسلام ممن عاشوا في القرن الثالث الهجري عن نظرائهم من تلامذتهم الذين عاشوا في القرن الرابع الهجري ؟! و هل يصدق عاقل أن أحدا كان يجرؤ في تلك القرون على أن يكتب صفحة واحدة و ينشرها بين الناس و ينسب فيها إلى الله تعالى صفة لا يؤمن بها “السلف الصالح” أو أن يكتب مصنفا ينفي فيه عن الله تعالى ما أثبته له “السلف الصالح” دون أن يجد ألف سيف أو ألف يد أو حتى ألف قلم يقفون له بالمرصاد فيردون دعواه الباطلة و يبطلون افتراءاته الواضحة ، فكيف بأن يتواطأ مئات ألوف العلماء و طلبة العلم من أهل السنة في زمن واحد على ترك “عقيدة السلف” و اتباع “عقيدة الخلف” التي “اخترعها!!” لهم بزعم “ابن تيمية” أئمة كـ “الإمام أبو الحسن الأشعري” و “الإمام أبو منصور الماتريدي” و من تلاهم – من الجبال السامقة – كـ “أبو بكر الباقلاني” و “إمام الحرمين الجويني” و “الإمام أبو حامد الغزالي” رحمة الله على الجميع ؟؟إن الحقيقة هي أن الذي افترى على الله و الذي نسب إليه سبحانه ما لا يؤمن به سلف و لا خلف من علماء الإسلام (بسوء فهمه) هو “ابن تيمية” فهو الذي تبنى أقوالا لسلفه الخاص به و هو “الدارمي السجزي” الذي زعم افتراء على الله و رسوله أن الواقف في أعلى المأذنة أقرب إلى الله تعالى من الواقف أسفل منها ، و أن الله تعالى له أعضاء كاليد و القدم و العين و أنه يهرول و يأتي و يمس خلقه و أن له مكانا و أن لذاته حدا هو “فوق العرش” و أن الله تعالى لم يعط لرسوله صلى الله عليه و سلم و للأنبياء شفاعة بعد مماتهم و أن من استشفع بهم مشرك و عابد وثن و أن السفر لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم حرام و ضلالة و لقد لقي هذا السجزي من معاصريه الردود الكافية حتى فني هو ثم لم يبق له أتباع إلى أن نبش “ابن تيمية” كتبه و استخرج منها افتراءاته و انتحلها دينا يدافع عنه و أسماها “عقيدة السلف!” و لقد لقي “ابن تيمية” بدوره من معاصريه ما يكفي أيضا حتى انقمع هو ثم انقمعت ضلالاته و انقطع أتباعه و فنيت ملته المستحدثة ، و لم تعد إلى التداول إلا على يد المدعي “ابن عبدالوهاب” الذي أفحش و أوغل في هذه الضلالات و الافتراءات و زعم أن المسلمون كانوا كلهم كفارا و مشركين منذ نهاية القرن الثالث لأنهم يتوسلون برسول الله صلى الله عليه و سلم و بالأنبياء في دعائهم ..بسبب هذه الأسطورة تسمى أصحاب هذه الفرقة بـ “السلفية” ليميزوا أنفسهم عن المسلمين و لأنهم يعتبرون أن من لا يؤمن بهذه الأسطورة ضال و مشرك و زائغ الدين و ليس من “الفرقة الناجية” في الآخرة ، و ليست له حرمة المسلم في الدنيا ..خادم العلم الشريف عبد الله الحمد التميمي9 ربيع الأنور 1435
قام بالعناية بنشره قسم الدراسات الإسلامية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة أجيال وتكنولوجيا الامريكية
UNIVERSITY GENERATIONS AND TECHNOLOGY