كتبه الأستاذ الشيخ عبد الله الخليل التميمي
بسم الله الرحمن الرحيم سؤال : هل يجوز نقل الأعضاء السليمة من المتبرعين الأحياء و أجساد المتبرعين الأموات لأجساد المرضى بدلا من أعضائهم المريضة ؟.الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم أجمع علماء الإسلام على ثلاثة أحكام عامة ثابتة لا تجوز مخالفتها بحال أو إسقاط اعتبارها باجتهاد من أي نوع ، و هذه الأحكام الثابتة هي : أولا تحريم الصولة على الأجساد الإنسانية مطلقا ، بمعنى لا يجوز التعرض للجسد البشري بضرب أو قطع أو شق أو غرز إبرة و نحوه فيه مطلقا ، و يدخل ضمن هذا التحريم تلك الصولة التي تسبب أذى مباشرا كوخز الإبر المعدنية أو الكي السطحي بغرض الوشم لتجميل أو علامة أو إذلال أو غيره.و يستثنى من هذا التحريم ما كانت فيه مصلحة الجسد نفسه ، و ليس مصلحة أجساد أخرى ، كقطع عضو فاسد حماية لبقية الجسد من سريان الأذى إليه ، و غرز إبرة محقن لإدخال دواء و شق لاستئصال داء أو فساد أو إصلاح خلل في الجسد نفسه ، و هذا الاستثناء كله يصنف ضمن المباحات و هو محدد بضوابط غير مطردة و تقتصر على حالات بعينها لأوقات بعينها .و يستثنى من هذا التحريم الصولة على العدو و على من تعدى حدّا من حدود الله فأُخذ به كقطع يد السارق و قتل القاتل و رجم الزاني المحصن إلخ ، و هذا أيضا محدود بحدود غير مطردة ، فلا يجوز أن يعتدى على أجساد القتلى من الأعداء بعد قتلهم و لا يجوز التمثيل بحي و لا ميت و لا تجوز الصولة على أسير بقطع أو تشويه .ثانيا التداوي بالعموم مندوب و ليس واجبا ، و لا يكون فرضا إلا عند تعلق فرض به ، كتداوي من به سلس بول أو ريح لأجل تحقيق الطهارة الواجبة للصلاة المفروضة ، و تداوي العبد لعجزه عن خدمة سيده و تداوي الجريح الذي تعظم الحاجة إليه في الجهاد و غيره من المصالح المفروضة .و بالتالي فإن التداوي لا يكون ضرورة تبيح حرمات الآخرين ، فلا يجوز أن يَسرق ليتداوى بينما يجوز أن يسرق ليقيم أوده عند فقده الطعام و الشراب و إشرافه على الهلكة ، و بهذا فإن مداواة جسد بشري لا تبيح بحال الصولة على جسد بشري آخر لحي أو ميت .ثالثا إن الإنسان لا يملك جسد نفسه و لا يملك نفسه ملك تصرف ، فلا يجوز له أن يبيع نفسه رقيقا أو يقطع من نفسه عضوا أو أن يضرب نفسه أو أن يجرح نفسه ، و أن يوصي بقطع أعضاء منه بعد موته و لو كان سنا أو ظفرا ، و لا يجوز له أن يؤجر نفسه أو عضوا من أعضائه كأن يؤجر جوفه ببلع نقود أو جواهر لإخفائها من لص أو صاحب مكس ، أو أن يؤجر جلده لكتابة أو رسم شيء عليه بالكي أو الوخر أو إدخال شيء تحت الجلد و خياطته لإيصاله إلى مكان آخر بخفية إلخ.و نقل الأعضاء يدخل تحت هذه الأحكام الثلاثة ، فهو صولة على جسد إنسان لأخذ شيء منه لغاية مداواة جسد إنسان آخر ، و الصولة لهذه الغاية لا تدخل بحال تحت مسمى الضرورة ضمن الضوابط الشرعية ، فإن المداواة لا تكون ضرورة بحال من الأحوال بحيث تبيح تعدي رخصة الأذى من جسد المضطر إلى جسد آخر ، ذلك أن المداواة مندوب و لا يجوز بحال الترخص في محرم لفعل مندوب ، فلا يجوز التداوي بالخمر و لا بمال مغصوب أو مسروق و لا بميتة ، و من باب أولى لا يجوز التداوي بقطع لحم أو عظم من جسد إنسان و ضمه إلى جسد الإنسان المتداوي .و أما التوسل للإباحة بالقول أن الإنسان المقتطع منه العضو قد تبرع بهذا العضو من نفسه للمتداوي فهو باطل و أشنع من التذرع الآنف بالضرورة ، ذلك أن الآذن بالصولة على نفسه كالمعين على قتل نفسه سواء بسواء ، و هو قاتل لنفسه في المحصلة ، هذا من جهة و من جهة أخرى فإن جسد الـمُقتطع منه ليس ملكا له بحال فلا يجوز له أن يتصرف به تصرف الملك ببيع كله أو بعضه أو هبة بعضه أو كله ، و لقد وجدنا من يزعم أن رضا الـمُقتطع منه يعتبر هبة و يزعم جواز هبة المرء لقطعة من جسده دون البيع و هذا تحكم شنيع القصد منه التوصل إلى الحرام بالتلطي وراء عبارات شرعية ، و بفحص كلامهم عكسا نجد أن ما تجوز هبته لا بد أن يكون ملكا للواهب ، ثم إن عدنا لطرد قولهم فيلزم منه أن ما يكون مملوكا يمكن أن يباع أو يؤجر أو يوهب (باستثناء المملوكة أم ولد المالك) و بهذا يلزم من قولهم أنه يجوز للإنسان أن يبيع من جسده ما يشاء و يقتطع منه و يؤجر منه ما يشاء ، و هذا كله جحود للإجماع على الأحكام الثلاثة الآنف ذكرها و هو مردود باطل.أما الزعم بأنه يجوز أن يُصال على جسد الميت لأخذ أعضاء منه لمداواة الأحياء بذريعة أن نفع الحي أولى من الميت الذي لا ينتفع بجسده فهو أيضا باطل قولا واحدا لأنه زعم لجواز التوسل لفعل المداواة المندوب بإباحة محرم بالإجماع و هو “المثلة” المذكورة في حديث البخاري رحمه الله عن عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه : { نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن النهبة و المثلة } و غيره من الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و يلزم من هذا أيض أن يُتوصل إلى استباحة قتل إنسان لأجل أخذ أعضاء منه لإنسان آخر ، أعضاء كالكبد و العين و الرئة و القلب و غيرها مما لا يمكن أن يبقى الـمُقتطع منه حيا إن اقتطعت منه هذه الأعضاء . و نحن نرى اليوم مصداق أحقية الذين صدعوا بالحق في هذه المسألة ، فإنه يتم اليوم قتل آلاف البشر الأبرياء منهم الطفل و الكبير و الأسير و المخطوف لأجل أخذ أعضائهم و بيعها لمرضى للتداوي ، و يقوم ناس في بعض البلاد ببيع أولادهم الصغار و بناتهم ليتم تقطيعهم و أخذ أعضائهم للصقها بأجساد من يدفع و ليس لإحياء النفوس المشرفة على الموت طلبا للأجر كما يزعم أولئك الذين تجرؤوا على حمل وزر إباحة هذه الجريمة الوحشية و الإفتراء على الله بقولهم أنها عمل جائز لا بل عمل من أعمال البر ، و لا حول و لا قوة إلا بالله. إن الحق في هذا أن الذي يسمح بأخذ عضو منه معتد صائل على نفسه مستحق لإثم عظيم من أكبر الكبائر و ليس متبرعا و لا متصدقا ، و الطبيب الذي يجري تلك العمليات صائل مجرم يستحق القصاص منه و آثم في دين الله إثما عظيما ، و أن الآخذ لهذا العضو مجرم كجرم الآنفي الذكر معتد صائل مستحق للإثم و القصاص ، و الرائش بينهم مثلهم و كل مال يدخل في هذا الأمر مال حرام قبضه و دفعه و كل مشارك عامد عالم كالمخدر و الممرض و صاحب المشفى مثلهم .و هو نفس الحكم إن كان القطع من جسد ميت ، فإن كان الـمُقتطع منه هو من سمح بقطعه بعد موته فهو أيضا آثم مجرم ، و البقية مثله و إن كان إثمهم أقل إن كان الموت حصل طبيعيا أو لغير غاية نقل الأعضاء ، فإن كان الموت حصل بقتل فإن الجميع مستحقون للقتل قصاصا حكم الله فيهم بكتابه و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم و إجماع المسلمين.و الله تعالى أعلمخادم العلم الشريف عبد الله الخليل التميمي الحمصي .12 ربيع الأول لعام 1440 لهجرة سيد الرسل صلى الله عليه و سلم
عنيت بنشره كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أجيال وتكنولوجيا الأمريكية
UNIVERSITY GENERATIONS AND TECHNOLOGY