#الشركات_المساهمة و #تجارة_الأسهم و #الإستثمار_الإلكتروني
حكم الإسلام في المذاهب الأربعة في :
#الشركات_المساهمة و #تجارة_الأسهم و #الإستثمار_الإلكتروني :
أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه و سلم بيان أحكامه في جميع أعمال الناس و أحوالهم إلى قيام الساعة ، و لقد دوّن فقهاء الإسلام هذه القوانين بمنتهى الدقة و الوضوح و لا تجد أمرا حادثا أبدا (نازلة – نوازل) إلا و له حكم في مدونات قانون الإسلام الموروثة عن نبينا صلى الله عليه و سلم ، إلا أن جهل الكثيرين بما في هذه المدونات و تطاول الجهلة و أرباع المتعلمين و أهل النفاق على مقام الفقه و القانون الإسلامي جعل بعض الأحداث تبدو جديدة و يظن الساذج أن حكمها لم يرد في قانون الله الذي نزل على نبينا عليه الصلاة و السلام .
هذه الأمور التي عنونت بها هذه الرسالة من الأمور التي صنفت على أنها “نوازل” لدى الجهلة و أدعياء العلم ، و الحقيقة أن أحكامها واضحة و أنصع من شمس الظهيرة في مدونات الفقه الإسلامي المقدس ، و سأبيّنها مفصلة إن شاء الله في هذه الرسالة .
توطئة : جميع أحكام الفقه الإسلامي (القانون) مصممة لتحقيق غايات أساسية منها هذه الغاية الأساسية و هي : إتاحة القضاء العادل في الخلافات و المنازعات ، فهذه الأحكام كلها حددت أوصاف مبتدأ الأفعال و منها المعاملات المالية (العقود) بحيث يؤدي إلى فض هذه المعاملات في نهايتها بعدالة و إنصاف و وضوح تام في حال وصول نهاية هذه العقود إلى النزاع القضائي .
و لقد قامت جميع أحكام العقود في شرعنا على الأسس التالية :
أولا : نفي الجهالة في أطراف العقود أيا كانت ، سواء أكانت في الأشخاص المتعاقدين أو في الأشياء موضوع العقود من أموال و سلع و خدمات بأنواعها من الإجارة إلى الجعالة و ما بينهما .
ثانيا : في حال احتمال وقوع قروض أو شراكة من أي نوع فإن الأطراف المتعاقدين سيدخلون في العقود بأشخاص كل أحد منهم ، و لا يمكن أن يكون دخولهم بأية صفة أخرى كإسم تجاري أو عشائري أو ألقاب أو غيرها ، و ذلك خدمة للأساس الأول الآنف .
ثالثا : الحفاظ على الحقوق من أموال و جهود هو الأساس الأول لكافة أحكام المعاملات و منها العقود من مبايعات و إجارات و منافع و أنواع الشراكة .
رابعا : التوافق التام بين المتعاقدين و الرضا التام بشروط العقد بينهم دون إكراه أو خداع .
بناء على ما سبق ننظر سريعا في أنواع الشراكة في الإسلام :
أولها : الشركة التضامنية : هي أن يتشارك شخصان فأكثر لجمع رأس مال عمل تجاري أو صناعي أو خدمي من أموالهم ، و أن يقتسموا الأرباح بقدر حصة كل واحد منهم في رأس مال الشركة ، و أيضا يقتسمون الخسائر بقدر حصة كل منهم في رأسمال الشركة .
في حال خسارة رأسمال الشركة تماما و وجود قروض على الشركة فإن هذه القروض تعتبر شرعا قروضا على كل الشركاء بأشخاصهم ، و تعتبر أملاكهم كلها ضمانا لقروض الشركة ، فيتم حجزها و بيعها لسداد حقوق الغرماء .
و بناء على هذا فإن بعض الجهالة لشخص أحد هؤلاء الشركاء يعتبر مبطلا للشركة إذ يجب تحديد شخص كل شريك بالإسم و العنوان بحيث يكون ممكنا دوما الوصول إليه و إلى ممتلكاته .
و بناء عليه فإن الشركة لا يجوز أن يكون لها إسم تجاري أو اعتباري بحال و إنما يكون إسمها هو أسماء الشركاء ، مثل فلان الفلاني (المعلوم) و شركاؤه ، و ذلك لإزالة الجهالة لدى المقرضين .
ثانيها : شركة المضاربة : و هي مكونة من فريقين ، الأول أصحاب رأس المال و الثاني أصحاب المهارات ، فيستلم أصحاب المهارات رأس المال و يديرونه في التجارة أو الصناعة أو الزراعة أو الخدمات أو في ذلك كله ، و يكون اقتسام الربح بإتفاق بين الفريقين ، أما في حال الخسارة فإن صاحب المهارة (العامل) لا يتحمل شيئا من الخسارة ، و تقع كلها على أصحاب رأس المال و يضمنون ديون الشركة بأموالهم الشخصية إلا أن يكون صاحب المهارة مهملا أو متعمدا فيتحمل دفع الخسارة وحده ، و يضمن بأمواله كلها ديون الشركة .
و كما في الشركة التضامنية ففي هذه الشراكة لا بد من معرفة الشركاء بعضهم البعض و الجهالة لأشخاصهم تعني إبطال الشركة .
أنواع الشركة الباطلة المحرمة :
شركة المساهمة المغفلة : و تقوم أساسا على أن يشترك أشخاص غير معينين بدفع قيمة حصص في مشروع صناعي أو تجاري أو زراعي أو خدمي أو كل ذلك ، و هذه الحصص تشكل رأسمال الشركة ، بشرط أن يتولى واحد أو مجموعة من هؤلاء الشركاء إدارة رأس المال ، و يتم تقاسم الأرباح بناء على رأي هؤلاء المديرين ، فيعزلون قسما من الأرباح ليكون احتياطيا ماليا للشركة و يوزعون قسما من الأرباح على أصحاب الحصص (الأسهم) و يكون لهم عادة الحصة الأكبر من الأرباح لأنهم يعملون و يديرون الأموال.
في حال إفلاس الشركة يخسر المشاركون في رأس المال حصصهم من أموال الشركة ، و لا يضمن أي منهم شيئا من ديون الشركة بحال من الأحوال ، سواء أكانوا مديرين أو مجرد مشتركين في رأس مال الشركة.
يستطيع أي مشارك بمال في هذه الشركة أن يبيع حصته متى شاء لمن شاء دون الرجوع إلى مديري الشركة أو إلى بقية الشركاء .
تتخذ القرارات الهامة في الشركة سنويا بالتصويت بأغلبية حصص الشركاء و على الأقلية القبول بقرار الأغلبية و العمل به .
أسباب بطلان هذه الشركة و تحريمها :
أولها الجهالة بأشخاص الشركاء ، فقد يبلغ عدد الشركاء في هذه الشركة آلاف آلاف الناس ، و هذا يجعل من المستحيل معرفة بعضهم البعض ، و يجعل تقاضيهم في الخلافات ضربا من السفسطة .
ثانيها أن هؤلاء الشركاء قادرون على بيع حصصهم من الشركة لأي كان ، و قد يكون هذا البيع سببا الإضرار بالشركة و تضييع حصص بقية الشركاء .
ثالثها أن القرارات في البيع و الشراء و غيرها من العقود لا يمكن أن تكون نافذة شرعا إلا بتوافق جميع الشركاء ، و مبدأ إعطاء القرار للأغلبية يعني أن يتم التصرف بأموال الأقلية بغير رضاهم و هذا باطل شرعا من كل وجه و محرم قطعا .
رابعها أن ديون الشركة غير مضمونة بأموال الشركاء ، و هذا نوع من الإحتيال لسرقة أموال الناس ، و ما على مجموعة من المحتالين سوى أن يؤسسوا شركة مساهمة مغفلة و يبيعوا و يشتروا ثم يقترضوا ثم يصطنعون خسارة و إفلاسا و يسرقون أموال أصحاب الديون الذين لن يجدوا سوى قبض الريح حال إحالة شكواهم للقضاء ، و ربما يسرقون أيضا أموال أصحاب الحصص من الشركاء الآخرين الذي لا يد لهم في إدارة الشركة ، ثم لا يضمنون شيئا من تلك الديون ، و لقد وقع هذا آلاف و ربما عشرات آلاف المرات و ضاعت بسببه أموال ألوف الألوف من الناس ، و هذا باطل قطعا في دين الإسلام لأن الديون في الإسلام من أعظم الحرمات و هدرها في عقد أو غيره جحود لأحكام أجمع عليها المسلمون مدة دهرهم .
خامسا إن من مقتضيات تأسيس شركات المساهمة المغفلة العمل تحت إسم تجاري محتكر ، و هذا الإسم يجعل من الشركاء مجهولين تماما و يجبر الخصوم على مقاضاة الإسم التجاري و لا يحمل العاملين في الشركة مسؤولية تجاوزاتهم بحال ، و هذا باطل تماما في شرع الإسلام الذي يحرم احتكار أي شيء عام و من ذلك الأسماء التجارية ، ثم العمل وراء هذه الأسماء .
و هناك الكثير من هذه الطوام في عقود هذه الشركات مما يضيق المجال لحصره و سأسعى بعون الله تعالى لشرحه في مصنف خاص .
الشركات الإستثمارية : هذه الشركات غالبا ما تكون شركات مساهمة مغفلة و هذا أصلا يجعلها باطلة و يجعل التعامل معها و بها محرما ، و لكننا نجد بعض المواقع الإلكترونية و أكثرها من صناعة مؤسسات ربوية كالبنوك و شركات الإقراض تسمى بالإستثمارية .
تعمل بالطريقة التالية : أن يتصفح أحدهم موقعا من هذه المواقع ، ثم يستعرض أنواعا من الدعايات للتعاقد مع هذه المواقع ، هذه الدعايات تعد هؤلاء الضحايا بالأرباح السريعة و الوفيرة بمجرد أن يشترك في هذه المواقع و يدفع لأصحابها مبالغ غير قليلة .
يسجل المشترك إسمه و بياناته في بعض هذه المواقع و يدفع لهم بعض المال ، و هو لا يعرف شخصا واحدا من أصحاب هذه المواقع و لا حتى إسم أحدهم ، و إن عرف فلن يجد سبيلا لمقاضاة أحد في حال الخلاف .
يتابع هذا المشترك صفحة يسمونها “حساب المشترك” و يجد في كل يوم أرقاما متجددة لرصيده معهم و يرى أن رأس ماله يزداد و يكثر ، و تراهم يشترطون عليه عدم قبض أي شيء من رصيده قبل مضي مدة بعينها و لا يسمح له إلا بقبض حصة صغيرة من رصيده في كل مرة .
ثم و بعد أن يدعو غيره من الناس للإشتراك في هذه المواقع و يحرضهم على دفع أموالهم لأصحابها ، و هم بدورهم يدعون غيرهم للإشتراك نجد أن هذه الموقع الذي يسمونه “منصة استثمارية” أو شركة استثمارية قد اختفى و ضاعت الأموال إلى الأبد و لا عزاء للمغفلين .
يعلل البعض لإجازتهم لهذين النوعين الآنفين من الشركات بأنهما من جنس شركة المضاربة ، أي أصحاب أموال يدفعونها لأصحاب مهارات ليديروها و يربحوا ثم يقتسمون الأرباح بحسب نسبة متفق عليها ، و الرد عليهم بأن أصحاب الأموال و أصحاب المهارات مجهولون لبعضهم البعض و يجهل أصحاب الأموال كيفية إدارة أموالهم ، و إن أديرت هذه الأموال فإن المتعاقدين مع المضاربين بهذه الأموال يجهلون أصحابها و ستضيع ديونهم مع أصحاب هذه الشركات ، فيتعذر عليهم التقاضي عند الخلافات معهم فضلا عن تعذر التقاضي بين الشركاء أنفسهم لجهالتهم أو لبعدهم في الأقاليم و انعزال أقاليمهم عن قضاء أقاليم خصومهم ، مما يجعل هذه الشركات باطلة تماما و قولا واحدا .
و في النتيجة فإن دفع الأموال لشراء الأسهم و سندات قروض الشركات و للإستثمار في الشركات الإستثمارية محرم و تضييع للمال و مشاركة في إثم الإحتيال و النصب على الناس و إعانة من المرء للآخرين على سرقة أموال نفسه و تسهيل لهم لسرقة أموال غيره و هو إثم عظيم متكاثر بآثاره كالربا و القمار و غيرها و الله تعالى أعلم .
هذا و أسأل الله القبول لهذا العمل الذي سطرته بحوله و قوته و فضله و أن يصلي و يسلم و يبارك على النبي محمد سيدنا و مولانا و على آله و أصحابه أجمعين .
و جزى الله خيرا من قرأ و وزع .
البروفسور عبد الله الخليل التميمي .
مع تحيات قسم الدراسات الاسلامية