Uncategorized

سوريا ما بعد العقد العاصف: بين نجاحات الدبلوماسية ومشروع التعافي الداخلي

سوريا ما بعد العقد العاصف: بين نجاحات الدبلوماسية ومشروع التعافي الداخلي

بقلم : مجد أمين خراطة

منذ تسلّم الرئيس أحمد الشرع دفة القيادة، بدا المشهد السياسي في سوريا وكأنه يعيد رسم حدوده الإقليمية والدولية بثقة محسوبة. فقد استطاعت الدبلوماسية السورية، رغم ما لحق بها من عزلة وتهميش خلال السنوات الماضية، أن تعود إلى ساحة العمل العربي المشترك، وأن تشارك في محافل دولية كانت في السابق بعيدة المنال.

إن هذا التحول لا يمكن قراءته إلا كنتاج لجهد سياسي مركز، سعى إلى ترميم الشرعية الخارجية لسوريا، وإعادة التأكيد على موقعها كفاعل جيوسياسي مهم في منطقة متغيرة. عودة العلاقات مع دول الخليج، وتخفيف العزلة الدولية، وتأكيد الخطاب السيادي الداعم لوحدة الأراضي السورية، تمثل في جوهرها ما يمكن وصفه بـ “استعادة التوازن الإقليمي”.

لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه في الشارع السوري: هل يكفي النجاح في الخارج إذا ما استمر البطء في السير في الداخل؟ فواقع الحال يشير إلى أن المكاسب السياسية والدبلوماسية بحاجة ماسة إلى ظهير اقتصادي وخدمي واجتماعي. ثقة المواطن لا تُبنى فقط في مكاتب المؤتمرات، بل في تفاصيل الحياة اليومية: الكهرباء، المياه، الخبز، الصحة، التعليم، وفرص العمل.

ومن هذا المنطلق، تبدو الحاجة ملحّة إلى أن يواكب الانفتاح السياسي على العالم إرادة داخلية لإصلاح مؤسسات الدولة، وتعزيز الشفافية، وتحسين بيئة الاستثمار، وربط خطاب “سوريا القوية” بتجربة معيشية حقيقية يشعر بها المواطن.

الإدارة الجديدة حرصت في بداياتها على فتح نوافذ حوار مع مختلف شرائح المجتمع، واهتمت بإعادة تأهيل بعض المرافق الخدمية، لا سيما في المناطق التي تأثرت بالحرب. كما شجعت بعض المشاريع الصغيرة التي تهدف إلى تحقيق قدر من النمو وكذلك مشاريع كبيرة وقعت مذكرات تفاهم بشأنها، لكن دون تغيرات فعلية وملموسة في واقع السوريين اليومي

أما على الصعيد القانوني، فقد لوحظت محاولات ونوايا لمراجعة بعض القوانين المرتبطة بالاستثمار والعمل الأهلي، مما يعطي إشارات أولية على رغبة في خلق بيئة أكثر مرونة

ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال التحديات الاقتصادية ترخي بظلالها الثقيلة. التضخم المتصاعد، وضعف القدرة الشرائية، وقلة الكفاءات، والفساد المؤسساتي الموروث ، هي قنابل موقوتة قد تقوّض أي مشروع إصلاحي إن لم تُواجَه برؤية إستراتيجية وإجراءات ملموسة.

كذلك، فإن غياب سردية وطنية جامعة، تأخذ بعين الاعتبار التنوع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع السوري، يشكّل عائقًا حقيقيًا أمام بناء عقد اجتماعي جديد يُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، وقبل كل ذلك حالة الظلم التي يشعر بها مجتمع الثورة مع تأخر أو تأجيل العدالة.

الواقع اليوم يطرح أمام الحكومة السورية فرصة نادرة لإعادة صياغة دور الدولة، لا كأداة للضبط فقط، بل كفاعل يخلق الأمل والثقة. انفتاح الخارج يمكن أن يشكل رافعة للتنمية إذا ما ترافق مع إصلاحات داخلية. كذلك، فإن توافر الكفاءات السورية في الداخل والخارج، ورغبة الكثير من أبناء سوريا بالمساهمة في الإعمار، تفتح آفاقًا لتعاون وطني جامع، شريطة أن يتم إشراكهم بجدية.

إن مشروع بناء “سوريا المستقبل” لا يبدأ من قاعات المؤتمرات وفقط ، بل من قدرة الدولة على بناء علاقة حقيقية مع مواطنيها.

علاقة تقوم على الكفاءة، العدل، والشفافية. نجاح الدولة في الخارج يصبح ذا معنى فقط حين يُترجم إلى مشروع وطني ينقذ الداخل من يأسه، ويرسم ملامح دولة يفتخر بها أبناؤها، لا فقط في الخطب، بل في تفاصيل الحياة اليومية، وحين يصبح العمل لأجل هذه البلاد واجباً في عقيدة وروح كل سوري

مع تحيات كلية العلوم السياسية

University Generations and Technology

#جامعة#أجيال#وتكنولوجيا

About the author

admin

Leave a Comment