بقلم الدكتور محمد نضال هادي خلوف

سورية إلى أين؟ بعد سقوط النظام المجرم واستلام الحكومة الانتقالية ورفع العقوبات الأمريكية – قراءة في ضوء القانون الدولي
بقلم الدكتور محمد نضال هادي خلوف
شهدت سوريةخلال العقد الماضي صراعاً معقّداً أدى إلى دمار واسع النطاق وتهجير الملايين. مع سقوط النظام السوري وتولي حكومة انتقالية زمام الحكم ورفع العقوبات الأمريكية، يُطرح السؤال: ما هو مستقبل سورية في ضوء مبادئ وأدوات القانون الدولي؟ هذا المقال يتناول هذه المرحلة الانتقالية من زاوية القانون الدولي، خصوصاً فيما يتعلق بالشرعية، العدالة، السيادة، إعادة الإعمار، وحقوق الإنسان.
أولاً: الشرعية الدولية للحكومة الانتقالية
وفقاً لقواعد القانون الدولي، خاصة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) ومبادئ الأمم المتحدة، فإن الحكومة الانتقالية تكتسب الشرعية إذا اعترفت بها الأسرة الدولية وبدأت في ممارسة السلطة الفعلية. دعم الأمم المتحدة للحكومة الجديدة يعتبر اعترافاً ضمنياً بشرعيتها، خاصة إذا جاءت نتيجة عملية تفاوضية أو دستورية.
ثانياً: رفع العقوبات ومسؤولية المجتمع الدولي
العقوبات الاقتصادية الأحادية التي فرضتها بعض الدول (مثل الولايات المتحدة) على النظام السابق كانت جزءاً من الضغط لوقف الانتهاكات. ومع رفعها بعد تغيير النظام، يبرز التزام المجتمع الدولي – خاصة عبر مجلس الأمن وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) – بالمشاركة في إعادة الإعمار. هنا، تُفعل مبادئ المسؤولية عن الحماية R2P، حيث يجب دعم جهود إعادة الإعمار لضمان عدم تكرار الكارثة الإنسانية.
ثالثاً: العدالة الانتقالية والمساءلة
طبقاً لـ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، تبقى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية غير خاضعة للتقادم، حتى مع تغير النظام. يمكن للحكومة الجديدة التعاون مع المحكمة الدولية أو إنشاء محاكم مختلطة (محلية دولية) لضمان محاكمة مرتكبي الجرائم. هذه الخطوة ضرورية لبناء سلام مستدام.
رابعاً: عودة اللاجئين والنازحين وفق القانون الدولي
تضمن اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين (1951) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق اللاجئين في العودة الطوعية والآمنة إلى وطنهم. تقع على الحكومة الانتقالية واجبات قانونية لتوفير بيئة آمنة تضمن هذا الحق، وضمان عدم الانتقام، وتأمين المسكن والعمل والرعاية الصحية.
خامساً: سيادة الدولة وإعادة بناء المؤسسات
يمنح القانون الدولي الدولة السورية حق السيادة الكاملة على أراضيها، لكن ذلك مشروط باحترام حقوق الإنسان وعدم تهديد الأمن والسلم الدوليين. على الحكومة الانتقالية العمل على استعادة السيطرة القانونية على كامل الأراضي السورية، وتفكيك الجماعات المسلحة غير المشروعة، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 (2015) الذي يشدد على الانتقال السياسي والمصالحة الوطنية.
خاتمة:
يمثل سقوط النظام واستلام حكومة انتقالية مع رفع العقوبات لحظة مفصلية في التاريخ السوري، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية تاريخية. من منظور القانون الدولي، يتطلب بناء سورية الجديدة التزاماً واضحاً بالعدالة، الشرعية، الحقوق، والتنمية.
إن مستقبل سورية يعتمد على قدرتها في تحويل مبادئ القانون الدولي إلى واقع عملي عادل وشامل لكل السوريين.
مع تحيات كلية القانون الدولي
UNIVERSITY GENERATIONS AND TECHNOLOGY
