بين كربلاء وتل أبيب: ازدواجية الموقف الإيراني بين قداسة الماضي وبراغماتية الحاضر بقلم الدكتور محمد نضال هادي خلوف

مقدمة
لطالما شكلت ثنائية الثأر للحسين والعداء لإسرائيل محورًا خطابيًا للنظام الإيراني منذ 1979، حيث استطاعت طهران توظيف الرمزية الدينية وتاريخ الصراع المذهبي في بناء سردية سياسية تعبئوية. إلا أن الواقع السياسي الذي تكشف مؤخرًا — إثر الضربات الإسرائيلية المتكررة على الداخل الإيراني واغتيال قادة وعلماء — أظهر تصالحًا أو تهدئة غير معلنة مع حكومة نتنياهو، ما يثير تساؤلات جوهرية: لماذا يُقبل الحوار مع من اغتال علماء إيران منذ أيام، بينما تُرفض المصالحة مع بني أمية بعد أكثر من 14 قرنًا؟
إيران والحسين: توظيف الماضي في الحاضر
قصة كربلاء ومقتل الحسين أصبحت عند النظام الإيراني عقيدة ثورية، تُستحضر في كل صراع سياسي وعسكري، وتُصبغ بها الخصومة مع دول أو جماعات معارضة. فبني أمية، كمفهوم، ليسوا مجرد حقبة تاريخية، بل كيان رمزي يُستخدم لتبرير الصراع المستمر مع من يُوصفون بـالنواصب، أي كل من يخالف الخط الشيعي السياسي والعقائدي.
العداء لإسرائيل بين الشعار والتطبيق
لطالما رفعت طهران شعارات مثل الموت لإسرائيل، ووصفت نفسها بأنها حاملة لواء المقاومة. لكن الأحداث الواقعية — كاغتيال قاسم سليماني، والعالم النووي فخري زاده، وعمليات التخريب في منشآت نطنز — لم تُقابل بردود مباشرة، بل أحيانًا بتهدئة أو صمت حذر. بل أشارت تقارير مؤخرًا إلى قنوات تواصل غير معلنة بين طهران وتل أبيب.
ازدواجية المعيار الأخلاقي والسياسي
هذا التناقض يُبرز إشكالًا أخلاقيًا وفكريًا: كيف يُبرر النظام الإيراني عداوة دائمة لأشخاص ماتوا قبل 14 قرنًا، بحجة أنهم قتلوا الحسين، بينما يُبرم تفاهمات مع من قتل علماء إيران بالأمس القريب؟
الجواب يكمن في البراغماتية السياسية التي تجعل من الشعارات أدوات تعبئة، لا مواقف مبدئية. الحسين لا يُستدعى للدفاع عن الحقيقة بقدر ما يُستدعى لحشد الجماهير. أما إسرائيل، فخصومة معها قابلة للتفاوض إن دعت الحاجة.
هل انتهى زمن الشعارات؟
تشير تحولات السياسة الإيرانية بعد الحرب الإسرائيلية–الإيرانية الأخيرة إلى مراجعة محتملة في الأولويات. فالتكلفة الباهظة لصراع مفتوح مع الغرب جعلت طهران تُعيد ترتيب أوراقها، حتى وإن كان الثمن التخلي عن بعض الشعارات التي قامت عليها الثورة الإسلامية. ومع تصاعد الضغط الداخلي والانهيار الاقتصادي، قد تضطر إيران إلى تصدير أعداء رمزيين وإبرام مصالحات حقيقية.
الخاتمة :
المفارقة أن من يُرفض التصالح معهم بدعوى الثأر التاريخي لا وجود لهم اليوم، بينما يُصافح خصوم حقيقيون بأسلحة نووية وأصابع على الزناد. هذه المفارقة تفتح باب التساؤل حول مصداقية خطاب الثأر ذاته، وهل كان مجرد وسيلة للتحكم بالعاطفة الجماهيرية، أم عقيدة متناقضة مع السياسة الواقعية.
بقلم الدكتور محمد نضال هادي خلوف
مع تحيات كلية القانون الدولي
University Generations and Technology
