متلازمة (اللامكتفي) واجهاد الصحة النفسية بقلم د. رأفت شهير شحادة
ابتليت الأجيال الحالية بمتلازمة نفسية خطيرة حديثة سماها الدكتور يوسف مسلم : بسمة (اللامكتفي)، وهي بحق معضلة كارثية تعصف بالأجيال كبيرها وصغيرها.
بعيدا عن تعقيدات (المفاهيم الإجرائية) المستخدمة في الأبحاث السلوكية، يستطيع صاحب المقال ان يختصرها بمفهوم (عدم الرضا) أو الحرمان من شعور الرضا والاستمتاع بما يملك الإنسان.
لقد انتقلنا إلى ظاهرة (متلازمة نقص الرضا) بتسارع مخيف معزز وهذه معضلة باتت تفكك المجتمع ونقوضه.
👈الوسائط الإعلامية الشيطانية
لعبت الوسائط الاجتماعية أكبر دور في تعزيز هذا السلوك المدمر، حيث ان التنافس لأجل التنافس والمراءات ، من أجل الحصول على اللايكات او التميز (الفارغ) بات هو الشغل الشاغل ، بحيث جعلت الناس ينتقلون من مرحلة (وأما بنعمة ربك فحدث) الي ظاهرة (هل من مزيد) تلك المعضلة السلوكية التي جففت منابع الرضا عن الحياة والذات في طيات شخصياتنا،خالقة نوعا من الشره حول امتلاك اي شيئ دون حاجة، و هدف،
فتري المتفوق الحاصل على معدل ١٠٠٪ مثلا في الثانوية العامة. يجد بأن معدله غير كاف ويحتاج إلى تطوير وقس على ذلك جميع مرافق الحياة.
أين نحن من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي أخرجه الترمذي في سننه عن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا.
وعند ابن حبان عن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصبح معافى في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنياهذا الحديث يؤطر لقاعدة مهمة وجب ان تعزز وتحقق في نفوس الأجيال الشعور ، بالرضا والاكتفاء المحددين وليس لكونها أداة تفاخر وتباه وتحولها الي غايات بلا نهايات.
، فمن الكارثة ان تربط تحقيق الذات وفهم مفهومها بربطها بحاجيات وسائلية لا غاياتية تحرق الحرث والنسل وتجعل الإنسان يتمرمغ في متلازمة نقص الرضا الجهنمية فلا يشعر بالاستقرار ولا يشعر باللذة ولا حتى يعي ما الذي يريده بالضبط.
لأنه و ببساطة شديدة فإن شعور الرضا بات لديه بمثابة ثقب اسود يمتص اي بصيص امل في ذلك، وعندها يدخل الإنسان في دائرة التعاسة، رغم انه في ذاته يظن بأنه يبحث عن السعادة وهو في حقيقته يعيش في (ظلمات بعضها فوق بعض)
👈جيل الهلامية اللامكتفي!
من سلبيات هذا الجيل ان بعض منظري تدريبات الموهبة والطموح، بات يدمر أصحاب القناعات والمكتفين بوصغهم 🙁 فاقدين للطموح والعزيمة)، ويتم دس افكارهم الهدامة إليهم واشعارهم بأنهم ناقصون، خاملون، على دنياهم زائدون….. وغيرها من الافتراءات. وماذا كانت النتيجة؟
حالة من التيه والضياع، يعبثون بأي شئ من أجل الحصول على الزيادة في اي شئ وباي ثمن مهما كان، كمثل الأعرابي الذي بال في بئر زمزم لكي يدخل التاريخ!
👈والسؤال الأهم كيف يتم علاج هذه الظاهرة وهذا الاضطراب؟
احد العلاجات المقترح استخدامها حسب نظرية العلاج المعرفي السلوكي، بتحديد قائمة الأهداف منذ الصغر وحسب المراحل، ومقدار الرضا عنها في كل مرحلة وكم النسبة المتوقعة لتحقيقها والأهم من ذلك بيان الغاية من هذا الهدف وهل هو يتوافق مع الغاية من خلق الإنسان وشموليتها مع الأهداف الأخرى وحاجات المجتمع، والأجمل ربطها بمفهوم التنافس الأخروي (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) اي بالصالحات والاخلاص للآخرة لا الدنيا – طبعا دون اهمالهم دنياهم وتفوقعم بالتفوق الحقيقي لا الوهمي المتخيل فيها –
عندها فقط سنجد مؤشر الرضا عن الحياة قد استقر وبدأ الإنسان يكتفي بما حوله، بمعنى آخر اللا مكتفي تراه يجعل هرم ماسلو معكوسا ونحن نحاول أن نعيد الهرم إلي وضعه السليم.
كذلك لا بد من تعزيز المخططات المعرفية، والعلاج النفسي المستند الي التعاطف لا الجفاف العاطفي الوهمي المختزل باللايكات الزائفة والنجوم الصفراء الهزيلة، مدعومين بذلك أيضا بالعلاج المعرفي القائم على الوعي، حيث أن الإنسان اللامكتفي يعيش في غيبوبة اللا أدرية،) وهو يظن انه يسير خلف أهدافه التي لا تنتهي والتي هي اصلا بلا أهداف، لأن الهدف من شروطه ان يكون واضحا وله بداية ونهاية،
وكذلك لا ننسى استخدام العلاج النفسي بالالتزام والتقبل لان غير المكتفي اصلا يعاني من مشكلة المرونة النفسية لان هذا العلاج اصلا مبنى على التقبل واليقظة وعمليات الالتزام. والتغير السلوكي، وهذا يكاد ان يكون ضبابي عند غير المكتفي.
وختاما بقي ان نذكر ان هذا الأمر ليس اضطرابا بمعنى الاضطراب النفسي الشخصي، وإنما هو سلوك جمعي او آفة اجتماعية باتت تفتك بمجتمعاتنا دون أن نشعر بها، ولكن بلا شك تقتلنا آثارها التي انعكست على الفرد والمجتمع
د. رأفت شهير شحاده
عضو الهيئة التدريسية
أستاذ مساعد
قسم علم النفس الاجتماعي والالكلينيكي – كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية –
جامعة أجيال وتكنولوجيا.
GTU – UNIVERSITY GENERATIONS AND TECHNOLOGY
