بقلم الدكتور محمد نضال هادي خلوف ضمن سلسلة مقالات _مع_الحدث

الهوية الوطنية السورية بعد عقد من الصراع: تفكك أم إعادة تشكل؟
بقلم الدكتور محمد نضال هادي خلوف أستاذ مساعد في القانون الدولي الإنساني
مرّت الهوية الوطنية السورية باختبار عسير منذ عام 2011، حيث دخلت البلاد في واحدة من أكثر الحروب تعقيدًا وتشظيًا في التاريخ الحديث، طالت بنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومع احتدام الصراع، تعالت أسئلة جوهرية حول مفهوم “الهوية الوطنية” في بلد تتقاطع فيه المكونات القومية والطائفية والدينية والعشائرية، ما جعل الحديث عن تفكك الهوية، أو إعادة تشكلها، محطّ جدل بين الباحثين والمفكرين.
أولًا: الهوية الوطنية قبل 2011
شهدت سوريا، منذ الاستقلال، محاولات متباينة لبناء هوية وطنية جامعة، ارتكزت في مراحل مختلفة على شعارات القومية العربية والاشتراكية والوحدة، ثم صيغت لاحقًا تحت مظلة النظام الحاكم على أساس الولاء للدولة/الحزب، مع تهميش لافت للمكونات غير العربية وغير البعثية، ما جعل الهوية تُختزل في الشكل السياسي الرسمي، لا في التعدد المجتمعي الحقيقي.
ثانيًا: ما بعد 2011 – تفكك أم تحرر؟
مع اندلاع الثورة، كُسر احتكار الدولة للهوية، وظهرت هويات فرعية إلى السطح: طائفية، قومية، مناطقية، وعشائرية. البعض يرى في هذا الانكشاف تفككًا للهوية، لكنه قد يُقرأ أيضًا بوصفه تحررًا للهوامش التي طالما حُوصرت، ومحاولة لإعادة تعريف الهوية على أساس مدني تعددي.
ثالثًا: دور الفواعل في صياغة الهوية الجديدة
-المجتمع المدني والمعارضة السياسية: طرحت معظم الوثائق السياسية للمعارضة مفاهيم دولة المواطنة والعدالة والمساواة، في سعي لإعادة بناء هوية سورية تتسع للجميع.
– العشائر والمجتمعات المحلية: أثبتت الفزعات العشائرية، كما في أزمة السويداء، قدرة السوريين على تجاوز الانقسامات الطائفية لصالح حماية النسيج الاجتماعي العام.
– *الشتات السوري*: ساهم في تطوير رؤية جديدة للهوية، قائمة على التواصل مع الديمقراطية والحقوق والاندماج، ما يشكل ضغطًا معاكسًا لخطابات الانغلاق.
رابعًا: سيناريوهات التشكل المستقبلي
1. هوية جامعة مدنية: تقوم على دستور عادل ودولة قانون، تكرّس التعددية وتضمن الحقوق الفردية والجماعية.
2. تقاسم سلطوي وهويات متوازية: نتيجة لتقسيم أمر الواقع، مع بقاء الولاءات الفرعية.
3. إعادة إنتاج هوية مركزية سلطوية: تفرض بالقوة وتعيد البلاد إلى المربع الأول.
خاتمة:
الهوية السورية لم تتفكك، لكنها دخلت في مرحلة “تفكيك للزيف”، وبدأت عملية بحث مؤلمة عن ذاتها الحقيقية. مستقبل هذه الهوية يتوقف على شكل الدولة القادمة: هل ستكون حاضنة لجميع أبنائها، أم إطارًا مفروضًا بالقوة؟ المسار لم يُحسم بعد، لكن إرادة السوريين في الميدان، من إدلب إلى السويداء، تقول إنهم يرفضون الاستسلام لمشاريع التشظي.
مع تحيات كلية القانون الدولي والعلوم السياسية
جامعة أجيال وتكنولوجيا
University Generations and Technology
