قراءة تحليلية في كتاب: من ضيّع القرآن؟ للدكتور شوقي أبو خليل رحمه الله تعالى بقلم الدكتور محمد سعيد أركي

قراءة تحليلية في كتاب: من ضيّع القرآن؟ للدكتور شوقي أبو خليل رحمه الله تعالى بقلم الدكتور محمد سعيد أركي
مقدمة:
يُعدّ كتاب من ضيّع القرآن؟ من أبرز كتب الدكتور شوقي أبو خليل رحمه الله تعالى التي تجمع بين الحس التاريخي والهم الإصلاحي، صدر عن دار الفكر عام 1986، ويقع في 320 صفحة. يطرح المؤلف في هذا الكتاب إشكالية مركزية، مفادها أن الأمة الإسلامية لم تتراجع أو تُهزم بسبب جهلها أو ضعف مواردها، بل لأنها ضيّعت القرآن الكريم، كتابها الذي أخرجها من ظلمات الجهل إلى نور الحضارة. لا يتحدث الكاتب عن الضياع بمعناه المادي، فالقرآن محفوظ بنصه، ولكن الضياع المقصود هو ضياع العمل والتفعيل والمرجعية.
أولاً: المنهج المعتمد في الكتاب
ينتمي الكتاب إلى الكتابات الإسلامية الإصلاحية التي تمزج بين التاريخ والفكر والنقد الاجتماعي، ويعتمد على التحليل العقلي والنقل الموثق، مع روح أدبية واضحة، تُظهر قدرة الدكتور شوقي رحمه الله تعالى على مخاطبة الوجدان والعقل معًا. يبدأ بتساؤلين جوهريين:
– لماذا دانت الجزيرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
– لماذا ازدهرت الحضارة الإسلامية ثم خبت؟
ومن هنا ينطلق نحو سؤال مركزي: *من المسؤول عن ضياع القرآن؟*
ثانيًا: القرآن كميزان للنهضة والانهيار
يؤكد الدكتور شوقي رحمه الله تعالى أن الشرع المتمثل بالقرآن والسنة والإجماع هو الميزان الذي به تقوَّم الأمم، وبه تُقاس القرارات والمواقف. عندما كان المسلمون يقيسون كل شيء بهذا الميزان، كانت الأمة في أوج عزّها. أما حين استبدلت هذا الميزان بمقاييس أخرى، سياسية أو مذهبية أو صوفية أو عقلية محضة، بدأت مظاهر الضعف والانحلال.
ثالثًا: العلماء ودورهم في حفظ القرآن
لا يغفل الكتاب عن إبراز دور العلماء الربانيين الذين حموا القرآن من التحريف المفهومي. فقد أُفرد فصل كامل لذكر الصحابة والخلفاء والعلماء الذين حفظوا القرآن في الصدور والعمل، من أمثال عمر بن عبد العزيز، الشافعي، البخاري، ابن تيمية، وغيرهم. ويشيد المؤلف بنموذج العالم الذي لا يفصل بين الفهم والنزاهة، والذي يُعدّ صمام أمان في زمن تتقاذف فيه الأمة التحديات.
رابعًا: من شوّهوا الشريعة
في المقابل، ينتقد الدكتور شوقي أبو خليل رحمه الله تعالى أولئك الذين أساؤوا إلى القرآن بتأويلاتهم الفاسدة أو تلاعبهم بأحكامه تحت مسمى الاجتهاد أو المصلحة أو التصوف المتطرف. ويُحذر من أن فقهًا بلا روح، أو روحًا بلا فقه، كلاهما يؤدي إلى ضياع المقاصد.
خامسًا: بين التصوف والفقه.. ضياع التوازن
يرى الكاتب أن الفقه الذي تحوّل إلى جفاف، والتصوف الذي غرق في الرمزيات والكرامات، كلاهما ساهم في جعل القرآن في معزل عن حياة الناس. كما يشير إلى أن الانقسام الطائفي والمذهبي أضعف المرجعية القرآنية، فتم التنازع على فهم النص لا العمل به.
سادسًا: الإصلاح.. العودة إلى القرآن
في خاتمة الكتاب، يدعو الدكتور شوقي أبو خليل رحمه الله تعالى إلى إصلاح جذري يبدأ من إعادة مركزية القرآن في حياة المسلمين، ليس كمصدر تلاوة وتعبد فقط، بل كمنهج حياة، وقانون مجتمع، ومصدر إلهام فكري وروحي. ويؤكد أن الإصلاح لا يتم بدون نقد ذاتي، وبدون تحرير العقل من التقليد الأعمى، مع التزام أدب الحوار والتجديد.
سابعًا: حكمة خالدة من الكتاب
يروي الدكتورشوقي أبو خليل رحمه الله تعالى في كتابه من ضيع القرآن موقفًا بليغًا، قال فيه:
تذهب إلى الخياط وتراه يمسك المقص ويقطع قطعة قماشك.. لا تتدخل ولا تعترض
تذهب إلى الحلاق يمسك رأسك ويضغطه إلى تحت دون اعتراض
تذهب إلى الطبيب يدخل في جسمك الإبرة وتتألم ويعطيك دواء مُراً لا اعتراض بل مع جزيل الشكر والامتنان والمكافأة المادية
أما عند العالم بدين الله تعالى فأنت أمامه : (( عالم ونصف )) بل أنت المرشد والموجه
لا أقول دع عقلك وأقبل، لا
بل اجعل ميزان الشريعة مقياسك في كل قول لك أو عمل مع السادة العلماء
_ لئن عاب الله تعالى على بني إسرائيل قتلهم الأنبياء بغير حق فيعاب على المسلمين اليوم قتلهم علماءهم بغير حق قتلوهم جوعاً وفقراً ونقداً وبعداً ومجافاة واشاعات ومعاداة وغيبة وافتراءاً ودساً
وهذه الحكمة تلخص روحه في الكتاب: الدفاع عن العلماء الحقيقيين، وتحذير من قتل المرجعية العلمية في الأمة.
خاتمة:
إن كتاب من ضيّع القرآن؟ ليس مجرد عرض تاريخي، بل هو دعوة عميقة لإعادة قراءة علاقتنا بالقرآن، والتفكر في أسباب تراجعنا الحضاري رغم امتلاكنا الكتاب الخاتم. يكتب الدكتور شوقي أبو خليل رحمه الله تعالى بروح العالم والمصلح، لا ليُدين الأمة، بل ليوقظ ضميرها.
ويظل هذا الكتاب واحدًا من المحاولات الفكرية الهادفة إلى استنهاض العقل الإسلامي، ودعوة للعودة إلى النبع الصافي، لا بمنطق التقديس الأجوف، بل بمنهجية الفهم والتفعيل.
الدكتور محمد سعيد أركي
أستاذ مساعد في التاريخ والفكر الإسلامي
كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم الدراسات الإسلامية
UNIVERSITY GENERATIONS AND TECHNOLOGY
