
الدكتور رأفت شهير شحادة
وَهمُ قوةِ الارادة بقلم الدكتور رأفت شهير شحادة
وهم قوة الارادة
في فيلم Eden الذي عرض عام ٢٠٢٤ والذي يتكلم باختصار الفيلم عن طبيب صاحب مبدأ ترك الحياة والناس وسكن مع (عشيقته)-حيث انه لا يؤمن لا بالزواج ولاانجاب الأطفال – في جزيرة نائية لوحده بالإضافة لكونه نباتيا لا يحتاج اكل اللحوم، ويمنع استخدام العنف مع البشر والحيوانات وبان الزواج شئ مقزز وان الإنسان لا يحتاج الطعام المعلب والجاهز،.. ويظل الأمر كذلك إلى أن يأتي أفراد يسكنون الجزيرة، وبعيدا عن تفاصيل الأحداث، يبدأ لاحقا بشعور عجز عشيقته العقيم،عن الانجاب وبعدها بفترة يبدأ بمقايضة جاره الجديد الأرز مقابل راس الثور الذي سلخه، وبعدها يقتل الخنزير الذي كان ياكل من محاصيل مزرعته ويشويه وياكله، ثم يتحالف مع البعض ليقتل جارته البارونة المؤذية ببندقية جاره الآخر ليلصق له التهمة، وفي النهاية عندما تنصدم منه عشيقته التي رات وهم ارادته تطبخ له دجاجا مسموا فيموت بعدما تخلي عن كل مبادئه تقريبا وقوة ارادته الاي اكتشفت بانها وهما لا أكثر.
وتستطيع تعريف الارادة القوية بانها : القدرة على تأخير الاشباع ومقاومة الاغراءات لتحقيق أهداف طويلة الاجل، أو التغلب على افكار او مشاعر او دوافع غير مرغوب فيها.
فالارادة القوية شئ طيب واساسي وهو اصلا مرتبط بجهازنا العصبي و بالجهاز الحوفي والباراسمبثاوي والناقلات العصبية وغيرها من الأجهزة الحيوية للدماغ، لأن العملية في نهايتها هي التحكم في الانفعالات والسلوكيات.
ولكن احيانا يكون هنالك وهما كبيرا في قوة هذه الارادة او ما يعرف ب قوة الارادة الموهومة او وهم قوة الإرادةThe Illusion of Willpower
والتي تشير إلى فكرة الاعتقاد بوجود قوة ارادة قادرة على التحكم في أفعالا وحدها دون الحاجة إلى معززات او مساعدة أخرى وهذا بعد وهما كبيرا، لان هنالك امورا تتحكم في سلوك الإنسان كالوراثة والبيئة والظروف المحيطة والعوامل النفسية اللاواعية.
حتى ابسط الأمور، كالطعام والشراب تتحكم فينا و تؤثر علينا معززات بسيطة والتي تتحكم فينا من حيث لا نشعر : كالاعلانات والعادات الغذائية، – مثلا عندما يقوم رجل من حماة او إدلب او غيرها من المناطق باقناعك بأن جبنة الشنكليش من أرقى انواع الاجبان والذها، أو المصري الذي يقنعك بلذة طعم الفسيخ والمش (الجبنة القديمة المدودة)، فهذه العادات بلا شك تؤثر بك من حيث لا تشعر وتقوض مفهوم الارادة الحرة المطلقة.
ويعتقد الكثيرون خطأً أن قوة الإرادة شيء يمتلكه البعض ولا يمتلكه آخرون. هذا اعتقاد خاطئ. في الواقع، يعتقد بعض الخبراء أن قوة الإرادة أشبه ببطارية نملكها جميعًا، وأن هذه البطارية تنفد أحيانًا؛ أو ربما يشبهونها بعضلة تتعب عند الإفراط في استخدامها.
وقد إشارت الباحثة جانيت في مجلة psychology today الي تجربة بينت خطورة وهم قوة الارادة على القرارات والانهيار السريع وكان ملخص التجربة كالآتي :
( لاختبار فرضيتهم حول محدودية قوة الإرادة، أو ما أسموه استنزاف الأنا . في هذه الدراسة، أحضروا مجموعة من المشاركين إلى غرفة تفوح منها رائحة البسكويت الطازج. أمام المشاركين طاولة عليها طبقان: أحدهما عليه بسكويت شهي المنظر، والآخر وعاء من الفجل. وطُلب من نصف المشاركين المحظوظين تذوق البسكويت، بينما طُلب من النصف الآخر تناول الفجل فقط.
بعد ذلك، طُلب من المجموعتين قضاء 30 دقيقة في حل لغز، وهو في الواقع لغزٌ غير قابل للحل. وبالطبع، لم يكن المشاركون اآكلي الفجل على دراية بذلك. وبينما صمد آكلو البسكويت المحظوظون لمدة تقارب 19 دقيقة في المتوسط، استسلم من اضطروا لمقاومة إغراء البسكويت وتناول الفجل بعد حوالي ثماني دقائق. وخلص الباحثون إلى أن ضبط النفس لدى آكلي الفجل بدا أنه قد استُنزف بشكل أسرع بعد أن مارسوه لمقاومة إغراء البسكويت. كانت محاولة مقاومة إغراء تناول البسكويت لفترة قصيرة من الزمن قد تقلل بشكل كبير من قدرة الشخص على ممارسة ضبط النفس في مهمة لاحقة، فتخيل كم قد تكون مهمة مستحيلة تقريبًا أن تطلب من شخص ما أن يقاوم باستمرار إغراء المشروب الذي يريده بشدة – ليس فقط لبضع ساعات ولكن لأيام أو أشهر أو حتى سنوات.) *
لكن في الواقع، لا يبدو الأمر كذلك. هناك أوقات نستطيع فيها استخدام قوة إرادتنا، وأوقات أخرى نفشل، انهم يجعلون قوة الارادة بأنها مجرد نظرية مؤقتة يستخدمها معظم الناس لشرح أنظمة لا يفهمونها.
ومن المؤسف أن معظم الناس يقعون في فخ الانحياز التأكيدي . فبمجرد أن تكوّن لديك نظرية، حتى لو كانت مُبسّطة للغاية وغير دقيقة، حول كيفية عمل العالم، يصبح تغيير رأيك أكثر صعوبة. تبحث عن أدلة وأمثلة تُؤكّد فرضيتك وتُفنّد الأدلة المُناقضة.
أعتقد أنه من المفيد افتراض أن كل ما تعتقد أنك تعرفه الآن هو تبسيطٌ مُفرط. هدفك هو التحسين المستمر والبحث عن استعارات وأمثلة أفضل
لشرح العالم. هذا يعني بالنسبة لي التخلي عن العديد من النماذج التي تُجدي نفعًا قليلًا ولكنها لا تُحقق النجاح المطلوب.
اعيد واكرر ان قوة الارادة امر مهم، ولكن الإفراط بالاعتماد عليها خاصة لمريض السكر، المدمن وغيرها من السلوكيات دون الاخذ بمراحل تعديل السلوك وتصحيح الأفكار المعرفيه وإنماط التفكير – وهذا للأسف ما يلعب عليه بكل اسف أصحاب دورات التنمية البشرية والبرمجة العصبية الذين يعطون حلولا قَارغة هلامية في سويعات قليلة مدفوعة الأجر تحت ستار قوة الإرادة – يؤدي في النهاية الي انهيار سريع وقاتل وربما بطريقة اكثر كارثية عما كان سابقا!.
والبعض ذهب إلى بعدا أعمق وابعد وأكثر تطرفا بن فيه وجود الإرادة القرية واقتلاع المفهوم منرجذوره حيث أشار إلى أن قوة الإرادة ( ليست أكثر من مجرد وهم، أو نزوة في الدماغ مصممة لجعلنا نشعر بأن لدينا سيطرة أكبر بكثير مما لدينا بالفعل.)
وبديهيًا، يبدو جليًا أن لديّ قوة إرادة.
لكن مجرد الشعور بوجود قوة الإرادة لا يعني بالضرورة أنها تعمل بهذه الطريقة في الواقع. لان قوة الإرادة ببساطة ما هي إلا فهم مؤقت وسطحي وأصعب ما يمكن أن يفعله الإنسان هو قول “لا أعرف”. لكن من المستحيل على معظم الناس أن يقولوا “لا أعرف” دون محاولة التخمين. أيّ نظريا، حتى لو كان مخطئا ، أفضل من لا شيء، لذلك يتم الاستعانة عنه بقوة الإرادة وهي إحدى النظريات البديلة التي تُفسر ما يُحرك الناس. إنها نظرة ضبابية للعالم تقول إننا نتحكم، وإذا استُخدمنا بشكل صحيح، يُمكننا تحقيق أي شيء.
شخصيا ساعطي مثالا حصل مع احد الأشخاص حيث جاء الي يشرح حاجته لأي عمل من أجل اطعام أسرته، وبانه صاحب إرادة قوية اكثر من الجميع ومستعد أن يضحي بنفسه من أجل أسرته والاتفاق عليها! ،
قلت له هل انت جاد وفعلا لديك الإرادة القوية لهذا الأمر؟
قال نعم وبكل تأكيد،!
قلت له : انا أعلم بانك مدخن شره تدخن يوميا علبتين من السجائر، فهل تستطيع أن تتوقف عن التدخين وتوفر ثمن العلبنين وأجرة دواء السعال والجيوب الأنفية الذي تشتريه بسبب هذا التدخين؟
قال : هل تريد أن تذلني لأنني قصدت بابك لتدينني او أن تجد لي عملا؟
قلت له : سبحان الله، ألم تقل قبل قليل انك تملك قوة ارادة جبارة ومستعد ان تضحي من أجل عائلتك بالغالي والنفيس، وها انت تقف عاجزا أمام لفافات التبغ وتقدمه على أسرتك، وتذل نفسك وتمرمغ ارادتك بالوحل وانت تدعي بأن لديك قوة ارادة؟
*Jeanetie Hu Amft
Super curiiosity
The Illusion of Willpower: Why You Can’t “Just Stop”
How ego depletion may explain your past failed attempt to quit alcohol.
Psychology today
د. رأفت شهير شحاده
الاستاذ المساعد،/ جامعة أجيال وتكنولوجيا / كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية / قسم علم النفس الاجتماعي والالكلينيكي.
GTU – UNIVERSITY GENERATIONS AND TECHNOLOGY

جامعةأجيال وتكنولوجيا