بقلم الأستاذ الشيخ عبد الله الخليل التميمي
#علي_ومعاوية (رضي الله عنهما)
بسم الله الرحمن الرحيم
كلما أراد أعداء الإسلام الطعن في دين الله وجهوا سهامهم إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطعنوهم و يطعنوا بطعنهم كل الإسلام ، فالصحابة هم من حمل كل الإرث المحمدي و هم من نقله إلى العالمين من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم و إلى يوم القيامة.جميع الحملات على الصحابة رضي الله عنهم تبدأ دوما بالفتنة التي إبتلاهم الله تعالى بها و هي القتال بين جيوش علي و الزبير و معاوية رضي الله عنهم ، الذي وقع بعد اغتيال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فتوجه الحملات رماياتها على موقف أهل السنة السادة الأشاعرة و الماتريدية ، هذا الموقف القاضي بعدالة الصحابة و اعتبارهم جميعا معذورين بالإجتهاد لتحقيق الطاعة و اتباع الحق في تلك الفتنة.كتبت هذه الرسالة القصيرة حتى يفهم طلبة العلم جيدا موقف أهل السنة من هذه الفتنة و مما شجر بين الصحابة في خضمها ، فيحصنوا عقولهم و إيمانهم من شبهات أعداء الله المنتشرة كثيرا هذه الأيام .كثيرة جدا هي الروايات التي وصفت ما حصل في الفترة الواقعة بين اغتيال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه و اغتيال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، و لقد رفض أهل السنة الإستناد إلى أي من هذه الروايات بمفردها ، و إنما استقرؤوا كل ما فيها من الأحداث ، و كل ما هو ثابت الوقوع في تلك الفترة ، فاستخرجوا منها ثوابت قطعية ، ثم جمعوا هذه الثوابت إلى ثوابت الشرع فخرج موقفهم الشهير الثابت من الصحابة رضي الله عنهم.تنقسم هذه الثوابت إلى قسمين ، الأول هو ما احتج به الصحابة الذين عارضوا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه و الثاني هو ما احتج به أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، و سأبدأ بالقسم الأول :1 – ثبت قطعا أن آلافا من الغوغاء ليس فيهم صحابي واحد احتلوا المدينة المنورة بوثبة مفاجئة بعد موسم الحج في العام الخامس و الثلاثين للهجرة و قتلوا عثمان رضي الله عنه في داره ، و عجز عن ردهم المتواجدون في المدينة من الصحابة و من بينهم علي و طلحة و الزبير رضي الله عنهم لأن الغزاة كانوا أضعافهم و لأن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه نهى أهل المدينة عن قتال هؤلاء الغوغاء .2- ثبت قطعا أن قَتَلة الشهيد عثمان رضي الله عنه أجبروا من كان أهل الشّورى في المدينة و هما طلحة بن عبيد الله التّيمي و الزّبير بن العوّام الأسدي و معظم وجوه المهاجرين و الأنصار رضي الله عنهم على مبايعة عليّ رضي الله عنه الذي قبل البيعة بعد تردد.3- ثبت قطعا أن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه دفن بعد اغتياله بليل و لم يحضر جنازته إلا نفر قليل من الصحابة ليس فيهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.4- ثبت قطعا أن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بعد توليه الخلافة قد أرسل رسلا إلى الأمصار بعزل كافة ولاة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه و ولّى مكانهم آخرين بعضهم من بني هاشم.5- ثبت قطعا أن عليّا رضي الله عنه لم يقتل أحدا من قتلة عثمان و لم يلاحق منهم أحدا و لم يقاض منهم أحدا و أن معظمهم كانوا من جملة مقدمي جيشه و على رأسهم مالك بن الأشتر النخعي.6- ثبت قطعا أن آل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه قد أرسلوا إلى معاوية رضي الله عنه يولونه المطالبة بالقصاص للشهيد عثمان رضي الله عنه و أيدهم في ذلك معظم الصحابة من أهل الشام و سائر العشيرة الأموية و هي عشيرة الشهيد عثمان رضي الله عنه.هذه الثوابت حملت معاوية رضي الله عنه و من معه من أهل الشام و بني أمية على التيقن بموافقة علي رضي الله عنه على قتل عثمان رضي الله عنه و ذهب البعض إلى أنه شارك في التخطيط لقتله ، و لم يعقد أبدا مجلس للنظر في هذه الإتهامات و تفنيدها أو مناقشتها.هذه الثوابت حملت طلحة و الزبير و عائشة رضي الله عنهم و معهم فريق كبير من الصحابة على الشك بقدرة علي رضي الله عنه على القصاص لعثمان رضي الله عنه ، و ذهب الظن ببعضهم إلى أن الأمر قد يميع حتى يضيع دم الشهيد عثمان رضي الله عنه فتصير سابقة في الإسلام يترتب عليها سقوط هيبة الدم و القضاء و الشرع و الخلافة ، في جو الغضب الرهيب في تلك الفترة و في ظل استفزازات القَتَلة في المدينة انتقل طلحة و الزبير و عائشة رضي الله عنهم إلى مكة لحشد الرجال للقيام بما رأوا أن عليا قصّر أو عجز عن القيام به ، بينما رأي معاوية رضي الله عنه و أهل الشام أن البيعة لا تنعقد لعلي رضي الله عنه لأنه مشارك يقينا في قتل سلَفِه عثمان رضي الله عنه و أنه مجرد مغتصب للحكم و غريم لهم.الثوابت التي احتج بها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : 1 – إن بيعة المهاجرين و الأنصار و أهل الشورى لعلي رضي الله عنه قد جعلت له حق السمع و الطاعة على سائر المؤمنين و من جملتهم الأمراء و الولاة الذين عزلهم و على رأسهم معاوية رضي الله عنه.2- الثابت أن عليا رضي الله عنه بالنظر إلى سابقته و مكانته في الأمة و شهادة الله و رسوله صلى الله عليه وسلم بالرضا عنه و بالنظر إلى قرابته الوثيقة بعثمان رضي الله عنه لا يمكن أن يُتّهم بالرّضا باغتيال عثمان رضي الله عنه فكيف بالمشاركة في التخطيط لهذه الجريمة الكبرى !.3- إن اتهامات أولياء دم عثمان رضي الله عنه لعلي رضي الله عنه لا تقوم أبدا بميزان الشرع و القضاء مبررا لخلع طاعة عليّ رضي الله عنه و عدم الإلتزام ببيعة زعماء الأمة له ، فالمتهم بريء ما لم تثبت إدانته بمحاكمة و أدلة و شهود فكيف يُدان بمجرد شبهات و استنتاجات بغير شهود و لا أدلة ، خاصة و أنه لم يمتنع من القضاء و الخضوع له بينما امتنع خصومه من القضاء !.4- إن قواعد الشرع في ترتيب الأولويات تُقدِّم الإستقرار و الأمن و وحدة الدولة (ما يعرف اليوم بالأمن القومي) على محاكمة قتلة فرد و الإقتصاص منهم مهما كَثُروا ، و بناء عليه فإن جرم الخروج على الحاكم الشرعي و شقّ صف الأمة أعظم من قتل الخليفة نفسه ، و لهذا فإن ردع مرتكبي جرم الخروج على الحاكم أولى من القصاص من قتلة فرد واحد ، لذلك قدم علي رضي الله عنه قتال جيشي معاوية و الزبير رضي الله عنهما على ملاحقة قتلة عثمان خاصة و أنهم كانوا في لبّ جيشه و قبائلهم هي نصف جيش الخليفة تقريبا.5- القضاء في الإسلام من حق الدولة و إقامة القصاص حق و واجب حصري على الدولة و الحاكم فقط ، و هو ليس أمرا عشائريا و لا ثأرا قبائليا ، و قيام معاوية و الزبير و طلحة و عائشة رضي الله عنهم بالتحريض على القتال ضد قتلة عثمان رضي الله عنه (و بالتالي ضد عشائرهم التي ستدافع عنهم تلقائيا) تهييج لقانون الثأر العشائري الجاهلي الذي دفنه الإسلام و سابقة قد تذهب بالإسلام كله ، الرافض لهذا المبدأ يرتكب جرما كبيرا هو أعظم من قتل شخص واحد ، بل هو سنّ سنّة جاهلية في الإسلام تلغي الدولة و السلطان و القضاء من الأساس. 6- إن من حق الخليفة أن يؤجل ما يرى وجوب تأجيله من الواجبات لأجل ما هو أوجب بحسب اجتهاده و ليس لأفراد الأمة في هذا إلا النُّصح بعد السمع و الطاعة.استنادا إلى هذه الثوابت لم يتقاتل الفريقان قتال الأعداء و إنما قتال الشرطة لرعية مطلوبين للعدالة معتصمين بسلاحهم ، فلم يلحقوا مدبرا و لم يذففوا على جريح و لم يَستعبدوا أسيرا و لم يسلبوا قتيلا و لم يأسروا من جاءهم مستسلما ، و لم يمنعوا بعضهم الماء و القوت ، و لم يهاجموا بعضهم في وقت الصلاة ، و هذا تأكيد من الفريقين على أنهم ليسوا أعداء و لا يكفر بعضهم بعضا و إنما هم ولاة أمر يُطبقون الواجبات الشرعية بفرض الأمن و الإستقرار و سلطة القانون على من يرون أنهم مسلمون خالفوا قانون الدولة الإسلامية.هذه الثوابت ، استنتج منها أهل السّنة أن معاوية و الزبير و طلحة و عائشة رضي الله عنهم أخطؤوا في ما ذهبوا إليه خطأ من بحث عن الصواب جاهدا ففاته فلهم أجر هذا الباحث المخطئ ، و أصاب علي رضي الله عنه في كل ما ذهب إليه إلا أن ظروف تلك الفتنة ساعدت على طمس حقه البيّن في حمل الأمة بأسرها على السير في طريق الخروج من الفتنة بأقل الخسائر ، و دون أن تُضيّع دماء أبنائها و وحدتها و قضاؤها و أمنها ، فهذا الضياع هو ما هدف إليه من خطط لقتل أمير المؤمنين الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه.و لو أن الزمان عاد بكل سُنّي إلى تلك الفترة لخرج مقاتلا مع علي رضي الله عنه ضد من قاتله و إحقاقا لحق الله تعالى ، و لكن دون أن يُفسّق أو يكفّر أو يحطّ من شأن الذين خالفوا عليّا رضي الله عنه من الصحابة الكرام ، هم من كان منهم بدريون و أهل سابقة و مبشرون بالجنة رضي الله عن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و لَعَن الله قَتَلَة عثمان رضي الله عنه و هم أنفسهم قَتَلَةُ علي و الحسن و الحسين رضي الله عنه ، و هم أنفسهم الذين حاولوا قتل معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص رضي الله عنهم.
قام بالعناية بنشره قسم الدراسات الإسلامية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة أجيال وتكنولوجيا الأمريكية
UNIVERSITY GENERATIONS AND TECHNOLOGY