Uncategorized

(الطلاق ،الانفصال العاطفي) ،و(الصمت والخرس الزواجي) مقاربات في التراث الاسلامي.

Written by admin

(الطلاق ،الانفصال العاطفي) ،و(الصمت والخرس الزواجي) مقاربات في التراث الاسلامي.

لاشك أن مؤسسة الزواج تعد هي اللبنة الأولى من مؤسسات البشرية لذلك حظيت حظيت باهتمام كبير حتى في المجتمعات التي تنادي بالحرية المطلقة في العلاقات والمثلية وغيرها من تلك المظاهر اللاسوية التي باتت تفتك بمؤسسات الزواج والأسرة المتهالكة أصلا في البلاد الغربية .
ومن هذه المصطلخات الاجتماعية والاسرية ظهر مصطلحي الطلاق العاطفي (Emotional divorce) ومصطلح الاتفصال العاطفي (Emotional separation) ،والعجيب ان الدراسات العربية التي بحثت هذين المصطلحين جعلتهما مترادفين في حين أننا لو تتبعنا هذين المصطلحين في الادبيات الاجنبية لوجدنا بينهما خصوص وعموم، فالطلاق العاطفي والذي نستطيع تعريفه بأنه (الانسحاب العاطفي والتدريجي لكلا الشريكيين من بعضهما رغم استمرار الزواج تحت سقف واحد حيث يعيش،كل شخص منهما منفردا عن الاخر مع غياب التواصل والحوار والمودة والرحمة). اي ان الطلاق العاطفي يكون بين الزوجين ،في حين الانفصال العاطفي يكون بين شريكيين بغض النظر عنهما كانا زوجين او شريكيين او بينهما علاقة من الجنسين او من نفس الجنس ! ، وبذلك تكون العلاقة بينهما خصوص وعموم . ولا نعلم لم تصر بعض الادبيات العربية بترجمة المصطلح على انه انفصال عاطفي وليس طلاقا ،بحجة شدة وقع المصطلح على النفس وأثرهما السلبي ؟!

ونجيب عليهم بكل بساطة ،بأنه لابد من تسرب هذا الأثر الشديد إلى كلا الزوجين! ،فمؤسسة الأسرة يجب أن تقوم على المودة والرحمة وإلا فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فالعلاقة السليمة تضخ في،الاسرة شحنات من العاطفة الإيجابية الجياشة ،في حين أن العاطفة السلبية الميتة بين الأبوين تجعل الأسرة مرتعا للاضطرابات النفسية يتشربها الأطفال ،وبالتالي تذهب تضحيات الآباء وعيشهم بهذا الجحيم من أجل أولادهم سدى! .

أما بالنسبة لمفهوم الصمت والخرس الزواجي -Marital silence- والذي يمكن ان نعرفه بأنه ( حالة الصمت النفسية دون علة بيلوجية تطرأ على الحياة الأسرية بين الزوجية وتصبح نمطا لحياتهما بحيث ينعدم الحوار بينهما إلا ما ندر بسبب حالة الانفصال العاطفي بينهما)،وهي ترتبط بينها وبين الزواج العاطفي كثيرا كما أشارت إلى ذلك الأدبيات النفسية .

ولكن ألا يوجد في تراثنا الفقهي والإسلامي وعلى مر العصور ظواهر مقاربة لهذه السلوكيات متقاربه مع هذه المفاهيم؟ وهل هذه السلوكيات غريبة على إرثنا الثقافي ؟

الجواب هو الإيجاب ويتثمل ذلك في الآيات الآتية :
قال تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) سورة النساء (34)

أما الآية الأخرى فهي قوله تعالى (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) سورة النساء (128).

واذا ما رجعنا إلى كتب اسباب النزول للآية الثانية وجدناها في بعض كتب الأحاديث منها صحيح البخاري في كتاب التفسير جزء5،ص182 قول عائشة رضي الله عنها (الرجل تكون عنده امرأة ليس بسمتكثر منها ،يريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حل فنزلت هذه الآيات)، اي بمعنى اجعلني على ذمتك وبيتك ولا أريد منك حقوقي في المعاشرة والإلتزامات المالية والزوجية وغيرها.

والرواية الثانية والتي أخرجها الترمذي في الجامع الكبير في كتاب فضائل القرآن ،باب تفسير القرآن في الجزء الخامس ص 134 وذكر ان الحديث حسن صحيح غريب فقال في سبب نزولها (خشيت سودة أن يطلقها النبي فقالت : لا تطلقني،وأمسكني واجعل يومي لعائشة ففعل، فنزلت “فلا جناح عليهما”).

نلاحظ ان هنالك مفهومان أو مصطلحان فقهيان لهما مدلولاتهما السلوكية والتي تتوافق إلى حد ما مع مفهوم الطلاق العاطفي وهما :

أولا :النشوز .

فقد ذهب ابن فارس في مدلول المصطلح في اللغة فذكر عدة معان منها الجفاء وإساءة العشرة ..الخ (معجم مقاييس اللغة ،تحقيق عبدالسلام هارون دار الكتب العلمية جزء 5ص 430-431.

أما المفسرون فقد فسروها بالآتي :

1- الاستعلاء بنفسه -أي الزوج-على غيرها لبغضه أو كراهته منها (الطبري، الأصفهاني،الماوردي ،البغوي، الخازن ،الرازي وغيرهم)

2- العصيان وإساءة العشرة والصحية (السمرقندي، ابن الجوزي، الرازي.

3-الإيذاء بالسب والضرب (الزمخشري ،النسفي ،ابن حيان)

4-يتجافى عنها بأن يمنعها حقوقها ونفسه ونفقته والمودة والرحمة التي بينهما (الزمخشري ، ابن الجوزي النسفي ،أبوحيان ،البيضاوي).

5- يعرض عنها ويعبس في وجهها ويتباعد عنها وينفر منها ،(الرازي،الخازن، القرطبي ،ابن كثير).

6- ترك مجامعتها ومضاجعتها (الرازي ،الخازن ، ابن عادل، ابن عجبيه ، القاسمي ،البقاعي)،

7- إظهار الخشونة في القول أو الفعل أو فيهما. معا ،(الرازي ،الخازن).

8-إساءة صحبتها (البقاعي )
فاذا ما تابعنا الدلالات نراها قريبة من مفهوم الطلاق العاطفي فكل هذه الأمور التي فسرها المفسرين من إساءة ونشوز وهجرها في المضاجع و(ضربها) وغيرها تتقارب مع مفهوم الطلاق العاطفي،اللهم أنها تنسب للرجل هنا تمشيا مع مفهوم القوامة ،ولأن الشريعة لا تعترف بعلاقات خارج مؤسسة الزواج الشرعي .

ثانيا :مصطلح (الإعراض):

وهو في،اللغة يحتمل عدة معان منها الصد عنه -أي الابتعاد- كما ذكر ابن منظور في لسان العرب جزء 7ص165.

وقد ذكر الاستاذ قاسم عبد النبي في رسالته نشوز الزوج ص 25 كلام جميل حول الفرق ما بين النشوز والاعراض رغم تشابه المعنيين وتشابهما إلا أنه يوجد فرق بسبط بينهما وهو أن النشوز يكون في الأمور المحسوسة في حين الإعراض يكون في الأمور غير المحسوسة.

أما عن تفسير مصطلح (الإعراض) عند المفسرين فكانت على النحو الآتي :

1-الإنصراف عنها بوجهه أو بعض منافعه (الطبري، البغوي،الخازن،الماوردي).

2-ترك وقلة مجالستها ومحادثتها -صمت زواجي- ومؤانستها (السمرقندي، البغوي، البيضاوي، القرطبي، الزمخشري، النسفي، أبو حيان).

3- يشتغل بغيرها -أي إهمال- (ابن الجوزي، الخازن)

4- ترك الجماع (الخازن).

5-ينفر منها (الرازي).

6-يعبس في وجهها ويسئ العشرة معها (الخازن).

7-الطلاق (القاسمي).

8-الإعراض بالقلب بأن لا ترى من محادثته ومؤانسته ومجامعته ما كانت تراه قبل ذلك – اي مراحل مثل مراحل الطلاق العاطفي (البقاعي).

9-الميل والانحراف عن الشئ (رضا).

10-لم ينشز ولكنه لا يؤانس الزوجه ولا يحدثها ولا يلاطفها على الرغم أنه يعطيها حقوقها -لاحظ اعطى الشعراوي مفهوما قريبا للطلاق العاطفي وأبعاده ،كلك فرق بينه وبين النشوز (الشعراوي).

11- قلة النفقه (ابن عاشور).

ولنا الملاحظات الآتية :

اولا نلاحظ أن مكونات الطلاق العاطفي نجدها مجتمعة في أقوال المفسرين والتي استقصوها ضمن السياقات والممارسات التي كانت سلئدة وضمن فهمهم للأحاديث النبوية وأقوال شيوخ المذاهب والتي يضيق المقام بذكرها .

ثانيا :نلاحظ أن مفهوم الصمت أو الخرس الزواجي ظهر جليا في تفسير القرطبي والذي ذكر صراحة التعريف للاعراض ب(ألا يكلمها ولا يأنس بها) حين ذكر أسباب نزول الآيات (الجامع لأحكام القرآن جزء 5ص403.
وبالتالي يعد الخرس،أو الصمت الزواجي مؤشرا قويا للنشوز والإعراض .

ثالثا :ذكر أمور مثل الاعراض القلبي أي دلالة المشاعر على هذا الإعراض وهذه تعطي مؤشرا عميقا وتقاربا مع مفهوم الطلاق العاطفي .

رابعا : النشوز وهو الأكثر ضررا من الإعراض ذكره القرآن للرجل والمرأة على حد سواء ،مع التركيز على المرأة لأن الأعراف الإجتماعية تشير إلى أن نشوز المرأة أشد خطرا من الرجل.

خامسا: دعوة الآية إلى الإصلاح وربطه بالشح والبخل واعطاء الأبعاد الاقتصادية للاصلاح كل ذلك يعطي مؤشرات على عمق المشكلة وتعدد أبعادها النفسية والإجتماعية والإقتصادية ،كما أنه فتح المجال للاصلاح يدعو إلى الأخذ بمبادئ،الإرشاد وطرق العلاج الاجتماعية والنفسية على حد سواء.

سادسا: الآيات صريحة بدعوتها للاصلاح حيث أنها بداية لم تعتبره طلاقا ،وفي نفس،الوقت اعتبرته خللا في العلاقات النفسية والإجتماعية تحتاج الى تقويم أو تعديل للسلوك حسب مفاهيم عليم النفس.

سابعا:الفرق بين الاعراض والنشوز وأن الإعراض يكون اخف من النشوز وهو مرحلة أولى من مراحل الطلاق والانفصال العاطفي وتكون حسب سياق الآيات من الرجل -ربما بسبب تركيبة المجتمع، أما النشوز فيكون اشدا وذا مظهر معنوي .

ثامنا: الهجر في المضاجع المذكور في القرآن يختلف عن الإعراض والنشوز ،لأن الهجر يستخدم الزوج ضد زوجته من اجل تقويمها لأنه ما زال يميل إليها وهي كذلك،على عكس الإعراض والنشوز .

هل النشوز والإعراض هما الطلاق العاطفي؟

رغم التشابه الملحوظ والمتداخل ما بين الطلاق العاطفي والنشوز،وما بين الإعراض والطلاق العاطفي والصمت أو الخرس الزواجي، مع ذلك يوجد اختلافات بسيطة حيث أن الطلاق العاطفي يكون مرحلة توافقية ،اي كلا الزوجين توافقا على هجر بعضهما اراديا ومعنويا وعاطفيا ،وفي نفس الوقت اتفقا صراحة أو ضمنا على بقائهما تحت سقف واحد من اجل سمعتهما أمام الناس أو من أجل
الأولاد أو المصالح المشتركة ، في حين أن الإعراض والنشوز يكون من أحد الطرفين في البداية أو ربما نعتبرهما مرحلة أولى من مراحل الطلاق العاطفي.
الأمر الآخر حلول الطلاق العاطفي تغلب عليها الطرق الحديثة للإرشاد والعلاج النفسي في حين أن الإعراض والنشوز يغلب عليها طرق العلاج الفقهية .
ومع ذلك لا مانع من استخدام ترجمة اخرى يتم استخدام فيها مصطلحي الإعراض والنشوز ،فنستبدل الإعراض والنشوز الزوجي بديلا عن الطلاق والانفصال العاطفي .

د.رأفت شهير شحاده رئيس قسم علم النفس في جامعة أجيال وتكنولوجيا الامريكية
Rafat Sh
2018-8-11

About the author

admin

Leave a Comment