الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
لماذا أصبحت الوحدة عند العرب حلماً؟
بين الفينة والأخرى نسمع عناوين رنانة وبراقة للمؤتمرات، وخاصة في البلاد العربية، مثل عنوان «التكامل العربيّ: حلم الوحدة وواقع التقسيم»، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الوحدة أصبحت حلماً؟!
فكروا معي قليلاً في واقع الوطن العربي كله، حيث يبلغ عدد سكان الوطن العربي حالياّ حوالي 430,753,333 مليون نسمة، بما يُشَكِّل (5%) من إجمالي سكان العالم، بينما عدد سكان الصين وحدها 1.423.030.000 مليار وأكثر من أربعمائة مليون، فلماذا يحلم العرب بالوحدة؟
ما هو سبب قتال العرب مع بعضهم، ولماذا يدمرون بلاد بعضهم، ويذلون شعوبهم، ويدفعون الأموال بسخاء لكل من يدمر بلادهم؟ وإذا اعتدى العدو عليهم قالوا: سنرد في الوقت المناسب؟!
علماً أن لدى العرب قوة جبارة، لغة، وديناً، وثقافة، واقتصاداً، فأكثر دول العالم تعيش على نفط العرب وغازهم.
والعرب في مركز العالم وقطب رحاهم، فهم يتحكمون بكل المعابر المائية المهمة في الدنيا، من مضيق باب المندب، إلى قناة السويس، إلى مضيق باب السلام (مضيق هرمز)، إذ معظم اقتصاديات العالم تعبر من خلالها.
لقد كانت أوربا ممزقة ومشتتة، وفتكت ببعضها قتلاً ودماراً وحروباً ومجازر؛ إذ قتل فيهم مائة مليون شخص خلال الحرب العالمية الأولى والثانية فقط؛ وعلاوة على ذلك يختلفون عن بعضهم في اللغة، والدين، والعرق، والثقافة، ومع كل ذلك حينما أرادت أن تتوحد جمعت قواها في الاتحاد الأوربي، ووحَّدت عُملتها (اليورو)، التي أصبحت العملة الثانية في العالم.
لماذا الوحدة عند العرب أصبحت حلماً؟
ألا بإمكانهم أن يجمعوا أنفسهم ويتكاملوا مع بعضهم البعض كالاتحاد الأوربي؟ ويوحدوا عملتهم، وينظموا اقتصادهم؟
أليس من الغريب أن العقل العربي لا يفكر كالأوربيين في توحيد كلمتهم، ومنبع دين التوحيد في بلادهم؟! والمنظومة التجارية والاقتصادية غير موحدة؟!
فالجزائر والمغرب وتونس ولبنان واليمن والسودان ومصر تستورد قمحها من أوكرانيا وروسيا، وبعد الحرب الروسية الأوكرانية أضحت هذه الدول تخشى من أزمة غذائية؟
مصر البلد الذي عرف الزراعة منذ القدم لم يعد اليوم سلة غذاء العالم كما كان من قبل، وهي التي قال نبي الله يوسف عليه السلام لأهلها: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ) [يوسف:47]، دَأَبًا : أي تدأبون كعادتكم في الزراعة.
ويدل شراء إخوة نبي الله يوسف عليه السلام على انتفاع جيران مصر من قمحها.
لماذا كل هذا التشتت والتفرق لدى العرب؟ ولماذا يستهينون بقوتهم ويحلمون بتوحدهم؟!
إذا بحثنا في الواقع لا نجد أي سبب لهذا الذل والخنوع والمهانة، إلا لأن العقل العربي أصبح قزماً استمرأ أن يعيش تابعاً للآخر، (القابلية للاستعمار كما يقول مالك بن نبي) ولذلك أصبحوا بلا عزة ولا كرامة، ولأن قادة العرب وحكامهم يحاولون إنقاذ ذاتهم وكراسيهم فقط، ولا يلقون بالاً لشعوبهم وأمتهم، بل ويحتمون بإسرائيل وأمريكا من شعوبهم!
مع العلم أنهم لو اهتموا لأمر الناس والشعب؛ لأصبحوا رموزاً وأبطالاً في المستقبل، لذلك يحق للعربي أن يخاف كثيرًا من المستقبل، فإذا كانت مشكلة معظم الشعوب الأخرى فِي عدو خَارِجِي يتربصها فإن مشكلة العَرَبي الأولى هي أعداؤه الداخليين، والأسوأ من ذَلِكَ؛ أن العَرَبي نفسه أصبح هو العدو رقم واحد لنفسه فِي غالب الأحيان، إذ عقل الفرد فيهم أكثر ديكتاتورية من حكوماته، ولأجل كل هذا أصبحت الوحدة عند العرب حلماً.