Uncategorized

حديث الغرقد ولعنة العقد الثامن

حديث الغرقد ولعنة العقد الثامن

بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على احتلال بيت المقدس، وتداعي الأمم عليه كتداعي الأَكَلة إلى قصعتها، وتمزق الأمة الإسلامية وضعف شأنها، وعلو عدوها في الأرض، كان لزاماً أن نذكّر بالوعود الربانية، والقبسات النبوية التي تشير بدلالات واضحة على النصر والتمكين، فالمؤمنُ الحقُّ يوقنُ أن عاقبةَ الصراعِ بيننا وبين اليهود نصرٌ حاسمٌ بإذن الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ) [رواه مسلم].

دققوا معي في كلمات الحديث الشريف، فالْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ هنا ينادي: (يا عبد الله)؛ أما عبد نفسه، وعبد أهوائه وشهواته، وعبد الدرهم والدينار، وعبد المرأة والكأس، وعبد الجاه والمنصب؛ فإن هؤلاء فلن يناديهم حجر ولا شجر، بل سينادي عدوُّهم عليهم!

كما ينادي: (يا مسلم)؛ لا يا عربي، ولا يا فلسطيني، ولا يا أردني، ولا يا سوري، ولا يا مصري، بل يناديه بوصف واحد وعنوان واحد عرف به: (يا مسلم).

فحين ندخل المعركة تحت شعار العبودية لله تعالى، وتحت راية الإسلام، حينذاك نرتقب النصر، وحينئذ لا يستبعد على قدرة الله تعالى أن ينطق الحجر الأصم، وأن يكون كل شيء معنا حتى الشجر والحجر.

والْغَرْقَدَ: شجرة شوكية معمّرة تنبت في الأرض الصخرية يصل ارتفاعها إلى متر ونصف، وهي مُورقة في جميع الأوقات، ومنه (بقيع الغرقد)؛ وهو اسم مقبرة المدينة؛ وسميت المقبرة به لأنها كانت تنبت فيه وأزيلت منها.

وقد ألِفنا أجهزة الجوال وهي جمادات لم نستغرب نقلها الأصوات، والطائرات على عظم حمولتها تطير في الهواء، والمركبات تسير في الأرض، وهي من صنع الإنسان فكيف بخالق الحجر والشجر؟ فكما تكلم الحديد وقد كان صامتاً سيتكلم الحجر والشجر.

ولكن لماذا الحجر والشجر بالذات؟

لعل ذلك لشدّة بطش اليهود حتى إن الحجر والشجر لم يَسلَم من الهدم والقطع والظلم، فكم هدمت من بيوت؟ وكم من شجر مثمر قطع؟ وكم من عمران وأبنية مشيدة تمت إزالتها!

فمهما تفاقُمت المحن، واشتدت الفِتن، فإن في طيِّ كلِّ محنةٍ مِنحة، ومع كلِّ بليةٍ عطية، ولا تخلو رزيةٌ من مزية.

ثم إن المراقب لوضع الأمة الحالي؛ يرى أن المسلمين اليوم ليسوا كما ينبغي من حيث التمسّك بالإسلام، ومن حيث تطبيق الشريعة، فالقتال بنصِّ الحديث يكون من المسلمين الملتزمين المستقيمين، فلهذا ينصرهم الله تعالى على اليهود؛ بسبب استقامتهم على دين الإسلام ونصرهم لدين الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يكون هذا في القريب العاجل؛ أن تتحسن فيه أحوال المسلمين، وتستقيم أمورهم، ويقودهم أمير صالح أو إمام عادل؛ إلى الحق والهدى، ويجتمعون فيه على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.

فليس أعداء إسرائيل فقط مَنْ يتوقع زوالها، وإنما كذلك بعضٌ من مفكري وسياسيي إسرائيل ونُخبها، فالحديث عن زوال إسرائيل لا يقتصر على المسلمين فقط، فقد صرَّح رئيس وزراء إسرائيل “بنيامين نتنياهو” قائلاً: إنه سيجتهد كي تبلغ إسرائيل عيدها المائة، وأضاف: التاريخ يعلّمنا أنه لم تعمّر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين عاماً.

وقد صرَّح الجنرال “شاؤول اريلئي”: إن الاستراتيجيات التي تبنتّها إسرائيل في مسعاها لتحقيق الحلم الصهيوني هي: أرض إسرائيل، وديمقراطية إسرائيل، ويهوديّة إسرائيل، في طريقها للفشل في مسعاها.

أما تعبير الصحافي الإسرائيلي: “آري شافيط” فقد وضع العنوان التالي في جريدة هآرتس الإسرائيلية: (إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة)، دالٌ ومعبرٌ عن حالة القلق والهوس الذي تعيشه إسرائيل كياناً ومستوطنين أو محتليّن.

وفي العام الماضي 2022م، أبدى وزير الأمن ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “إيهود باراك” مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهداً في ذلك بـ”التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين”.

وفي مقال له بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قال إيهود باراك: “على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن”.

وأضاف قائلًا: إن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وأنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها.

وأشار إيهود باراك إلى أنهم ليسوا وحدهم من أصابتهم لعنة العقد الثامن؛ “فأميركا نشبت فيها الحرب الأهلية في العقد الثامن من عمرها، وإيطاليا تحولت إلى دولة فاشية في عقدها الثامن، وألمانيا تحولت إلى دولة نازية في عقدها الثامن وكانت سبباً في هزيمتها وتقسيمها، وفي العقد الثامن من عمر الثورة الشيوعية تفكك الاتحاد السوفياتي وانهار وانفرط عقده”.

وأخيراً: اعلم أخي الكريم أن هناك زوال لليهود، وهناك زوال للكيان الإسرائيلي؛ فأما زوال الكيان الإسرائيلي فلن يطول بإذن الله تعالى، وربما خلال السنوات القريبة القادمة، أما زوال اليهود فلن يكون إلا بعد خروج الدجال، لأنهم أتباعه كما ورد في الحديث: (يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِن يَهُودِ أصْبَهانَ، سَبْعُونَ ألْفًا عليهمُ الطَّيالِسَةُ) [رواه مسلم].

فعلى المسلمين أن يعملوا وأن يهيؤوا أنفسهم لاستقبال حديث النصر، بالرجوع إلى دينهم الحق وعدم التواكل، فلا بد من تهيئة الجو لاستقبال القائد الذي سيحقق لهم سعادتهم في الدنيا والآخرة، ويحقق لهم النصر بإذن الله تعالى، ويطرد اليهود.

البروفسور محمد محمود كالو

About the author

admin

Leave a Comment